كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

الْقُرْآن )
: فَإِنْ قُلْت : هَذَا مُنَافٍ لِمَا مَرَّ فِي بَاب الْكَبَائِر . قُلْت إِنْ سَلِمَ أَنَّ أَعْظَم وَأَكْبَر مُتَرَادِفَانِ ، فَالْوَعِيد عَلَى النِّسْيَان لِأَجْلِ أَنَّ مَدَار هَذِهِ الشَّرِيعَة عَلَى الْقُرْآن فَنِسْيَانه كَالسَّعْيِ فِي الْإِخْلَال بِهَا . فَإِنْ قُلْت : النِّسْيَان لَا يُؤَاخَذ بِهِ . قُلْت : الْمُرَاد تَرْكهَا عَمْدًا إِلَى أَنْ يُفْضِي إِلَى النِّسْيَان . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَعْظَم مِنْ الذُّنُوب الصَّغَائِر إِنْ لَمْ تَكُنْ عَنْ اِسْتِخْفَاف وَقِلَّة تَعْظِيم . كَذَا فِي الْأَزْهَار شَرْح الْمَصَابِيح ،
( أَوْ آيَة أُوتِيَهَا )
: أَيْ تَعْلَمهَا وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ
( ثُمَّ نَسِيَهَا )
: قَالَ الطِّيبِيُّ : شَطْر الْحَدِيث مُقْتَبِس مِنْ قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ آتَتْك آيَاتُنَا فَنَسِيتهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْم تُنْسَى } يَعْنِي عَلَى قَوْل فِي الْآيَة ، وَأَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهَا فِي الْمُشْرِك ، وَالنِّسْيَان بِمَعْنَى تَرْك الْإِيمَان ، وَإِنَّمَا قَالَ أُوتِيَهَا دُون حَفِظَهَا إِشْعَارًا بِأَنَّهَا كَانَتْ نِعْمَة جَسِيمَة أَوْلَاهَا اللَّه لِيَشْكُرهَا فَلَمَّا نَسِيَهَا فَقَدْ كَفَرَ تِلْكَ النِّعْمَة ، فَبِالنَّظَرِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى كَانَ أَعْظَم جُرْمًا ، وَإِنْ لَمْ يُعَدّ مِنْ الْكَبَائِر . قَالَهُ عَلِيّ الْقَارِي . وَقَالَ اِبْن رَسْلَان : فِيهِ تَرْغِيب فِي تَنْظِيف الْمَسَاجِد مِمَّا يَحْصُل فِيهَا مِنْ الْقُمَامَات الْقَلِيلَة أَنَّهَا تُكْتَب فِي أُجُورهمْ وَتُعْرَض عَلَى نَبِيّهمْ ، وَإِذَا كُتِبَ هَذَا الْقَلِيل وَعُرِضَ فَيُكْتَب الْكَبِير وَيُعْرَض مِنْ بَاب الْأَوْلَى . فَفِيهِ تَنْبِيه بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى . اِنْتَهَى . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَالْحَدِيث أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه قَالَ : وَذَاكَرْت بِهِ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل يَعْنِي الْبُخَارِيّ فَلَمْ يَعْرِفهُ وَاسْتَغْرَبَهُ . قَالَ : مُحَمَّد وَلَا أَعْرِف لِلْمُطَّلِبِ بْن عَبْد اللَّه سَمَاعًا مِنْ أَحَد مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَوْله خَطَبَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَسَمِعْت عَبْد اللَّه وَهُوَ اِبْن عَبْد الرَّحْمَن يَقُول : لَا يُعْرَف لِلْمُطَّلِبِ سَمَاعًا مِنْ أَحَد مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ عَبْد اللَّه : وَأَنْكَرَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ أَنْ يَكُون الْمُطَّلِب سَمِعَ مِنْ أَنَس وَفِي إِسْنَاده عَبْد الْمَجِيد بْن عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي رَوَّادٍ الْأَزْدِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمَكِّيّ ، وَثَّقَهُ يَحْيَى اِبْن مَعِين وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْر وَاحِد .@

الصفحة 129