كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

فِي تُرَاب الْمَسْجِد وَرَمْله وَحَصَيَاته إِنْ كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ الْأَشْيَاء وَإِلَّا يُخْرِجهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَسَاجِد تُرْبَة وَكَانَتْ ذَات حَصِير فَلَا يَجُوز اِحْتِرَامًا لِلْمَالِيَّةِ . قُلْتُ : إِذَا كَانَ الْإِنْسَان مُحْتَاجًا إِلَى دَفْع الْبُزَاق وَكَانَتْ الْمَسَاجِد ذَات حَصِير أَوْ كَانَ فِرَاشهَا مِنْ الْجِصّ أَوْ الْحَجَر فَأَلْقَى الْبُزَاق تَحْت قَدَمه الْيُسْرَى وَدَلَكَهُ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِد لِلْبُزَاقِ أَثَر فَلَا حَرَج وَعَلَيْهِ يُحْمَل الْحَدِيث الْآتِي الَّذِي رُوِيَ مِنْ طَرِيق مُسَدَّد " فَبَزَقَ تَحْت قَدَمه الْيُسْرَى ثُمَّ دَلَكَهُ بِنَعْلِهِ " . وَفِيهِ أَنَّ الْبُزَاق طَاهِر وَكَذَا النُّخَامَة طَاهِرَة جَاءَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة لَفْظ الْبُزَاق ، وَفِي الرِّوَايَة السَّابِقَة لَفْظ التَّفْل . قَالَ الْعَيْنِيّ . وَالتَّفْل شَبِيه بِالْبَزْقِ وَهُوَ أَقَلّ مِنْهُ ، أَوَّله الْبَزْق ثُمَّ التَّفْل ثُمَّ النَّفْخ . اِنْتَهَى . قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : إِنَّمَا يَكُون خَطِيئَة إِذَا لَمْ يَدْفِنهُ ، وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ دَفْنه فَلَا . وَرَدَّهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ هُوَ خِلَاف صَرِيح الْحَدِيث . قُلْتُ : وَحَاصِل النِّزَاع أَنَّ هُنَا عُمُومَيْنِ تَعَارَضَا وَهُمَا قَوْله الْبُزَاق فِي الْمَسْجِد خَطِيئَة ، وَقَوْله وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَاره أَوْ تَحْت قَدَمه ، فَالنَّوَوِيّ يَجْعَل الْأَوَّل عَامًّا وَيَخُصّ الثَّانِي بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِد ، وَالْقَاضِي بِخِلَافِهِ يَجْعَل الثَّانِيَ عَامًّا وَيَخُصّ الْأَوَّل بِمَنْ لَمْ يُرِدْ دَفْنهَا ، وَقَدْ وَافَقَ الْقَاضِي جَمَاعَة مِنْهُمْ اِبْن مَكِّيّ فِي التَّنْقِيب وَالْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهِم وَغَيْرهمَا وَيَشْهَد لَهُمْ مَا رَوَاهُ أَحْمَد بِإِسْنَادٍ حَسَن مِنْ حَدِيث سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص مَرْفُوعًا قَالَ " مَنْ تَنَخَّمَ فِي الْمَسْجِد فَيُغَيِّب نُخَامَته أَنْ تُصِيب جِلْد مُؤْمِن أَوْ ثَوْبه فَتُؤْذِيه " وَأَوْضَح مِنْهُ فِي الْمَقْصُود مَا رَوَاهُ أَحْمَد أَيْضًا وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَن مِنْ حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا قَالَ " مَنْ تَنَخَّمَ فِي الْمَسْجِد فَلَمْ يَدْفِنهُ فَسَيِّئَة ، وَإِنْ دَفَنَهُ فَحَسَنَة " فَلَمْ يَجْعَلهُ سَيِّئَة إِلَّا بِقَيْدِ عَدَم الدَّفْن . وَنَحْوه حَدِيث أَبِي ذَرّ عِنْد مُسْلِم مَرْفُوعًا قَالَ وَوَجَدْت فِي مَسَاوِئ أَعْمَال أُمَّتِي النُّخَاعَة تَكُون فِي الْمَسْجِد لَا تُدْفَن . قَالَ الْقُرْطُبِيّ : فَلَمْ يَثْبُت لَهَا حُكْم السَّيِّئَة لِمُجَرَّدِ إِيقَاعهَا فِي الْمَسْجِد بَلْ بِهِ وَبِتَرْكِهَا غَيْر مَدْفُونَة اِنْتَهَى وَرَوَى سَعِيد@

الصفحة 139