كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ ثُمَّ كَرِهَ جَمْع مِنْ السَّلَف اِتِّخَاذهَا وَالصَّلَاة فِيهَا قَالَ الْقُضَاعِيُّ : وَأَوَّل مَنْ أَحْدَث ذَلِكَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَهُوَ يَوْمئِذٍ عَامِل لِلْوَلِيدِ بْن عَبْد الْمَلِك عَلَى الْمَدِينَة لَمَّا أَسَّسَ مَسْجِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَدَمَهُ وَزَادَ فِيهِ ، وَيُسَمَّى مَوْقِف الْإِمَام مِنْ الْمَسْجِد مِحْرَابًا لِأَنَّهُ أَشْرَف مَجَالِس الْمَسْجِد ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْقَصْرِ مِحْرَاب لِأَنَّهُ أَشْرَف الْمَنَازِل ، وَقِيلَ الْمِحْرَاب مَجْلِس الْمَلِك سُمِّيَ بِهِ لِانْفِرَادِهِ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ مِحْرَاب الْمَسْجِد لِانْفِرَادِ الْإِمَام فِيهِ . وَقِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُصَلِّي يُحَارِب فِيهِ الشَّيْطَان . قَالَ الطِّيبِيُّ : النُّخَامَة الْبُزَاقَةُ الَّتِي تَخْرُج مِنْ أَقْصَى الْحَلْق وَمِنْ مَخْرَج الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ كَذَا فِي النِّهَايَة وَهُوَ الْمُنَاسِب لِقَوْلِهِ الْآتِي فَلَا يَبْزُقَنَّ ، لَكِنْ قَوْله : مِنْ أَقْصَى الْحَلْق غَيْر صَحِيح إِذْ الْخَاء الْمُعْجَمَة مَخْرَجهَا أَدْنَى الْحَلْق . وَقَالَ فِي الْمُغْرِب : النُّخَاعَة وَالنُّخَامَة مَا يَخْرُج مِنْ الْخَيْشُوم عِنْد التَّنَحْنُح . وَفِي الْقَامُوس النُّخَاعَة النُّخَامَة أَوْ مَا يَخْرُج مِنْ الْخَيْشُوم . اِنْتَهَى . قُلْت : مَا قَالَهُ الْقَارِي مِنْ أَنَّ الْمَحَارِيب مِنْ الْمُحْدَثَات بَعْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ نَظَر ، لِأَنَّ وُجُود الْمِحْرَاب زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَثْبُت مِنْ بَعْض الرِّوَايَات ، أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَن الْكُبْرَى مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن عَبْد الْجَبَّار بْن وَائِل عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمّه عَنْ وَائِل بْن حُجْر قَالَ : " حَضَرْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَضَ إِلَى الْمَسْجِد فَدَخَلَ الْمِحْرَاب ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ بِالتَّكْبِيرِ ، الْحَدِيث . وَأُمّ عَبْد الْجَبَّار هِيَ مَشْهُورَة بِأُمِّ يَحْيَى كَمَا فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمِ الصَّغِير . وَقَالَ الشَّيْخ اِبْن الْهُمَام مِنْ سَادَات الْحَنَفِيَّة : وَلَا يَخْفَى أَنَّ اِمْتِيَاز الْإِمَام مُقَرَّر مَطْلُوب فِي الشَّرْع فِي حَقّ الْمَكَان حَتَّى كَانَ التَّقَدُّم وَاجِبًا عَلَيْهِ ، وَبَنَى فِي الْمَسَاجِد الْمَحَارِيب مِنْ لَدُنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . اِنْتَهَى . وَأَيْضًا لَا يُكْرَه الصَّلَاة فِي الْمَحَارِيب ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْكَرَاهَة فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَة ، وَلَا يُسْمَع كَلَام أَحَد مِنْ غَيْر دَلِيل وَلَا بُرْهَان .
( فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا )
: أَيْ تَوَجَّهَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النُّخَامَة
( فَحَتَّهَا@

الصفحة 146