كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

قَالَ الْخَطَّابِيُّ تَحْت قَوْله جُعِلَتْ لِي الْأَرْض طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَهَذَا إِجْمَال وَإِبْهَام وَتَفْصِيله فِي حَدِيث حُذَيْفَة بْن الْيَمَان عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْض مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتهَا لَنَا طَهُورًا " وَلَمْ يَذْكُرهُ أَبُو دَاوُدَ فِي هَذَا الْبَاب وَإِسْنَاده جَيِّد حَدَّثُونَا بِهِ عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا مُسَدَّد قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي مَالِك عَنْ رِبْعِيّ بْن حِرَاش عَنْ حُذَيْفَة ، وَقَدْ يُحْتَجّ بِظَاهِرِ حَدِيث أَبِي ذَرّ مَنْ يَرَى التَّيَمُّم جَائِزًا بِجَمِيعِ الْأَجْزَاء مِنْ جِصّ و َنُورَة وَزِرْنِيخ وَنَحْوهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَهْل الْعِرَاق ، وَقَالَ الشَّافِعِيّ لَا يَجُوز التَّيَمُّم إِلَّا بِالتُّرَابِ . قَالَ وَالْمُفَسَّر مِنْ هَذَا الْحَدِيث يَقْضِي عَلَى الْمُجْمَل ، وَإِنَّمَا جَاءَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام " جُعِلْت لِي الْأَرْض مَسْجِدًا وَطَهُورًا " عَلَى مَذْهَب الِامْتِنَان عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة بِأَنْ رَخَّصَ لَهُمْ فِي الطَّهُور بِالْأَرْضِ وَالصَّلَاة عَلَيْهَا فِي بِقَاعِهَا ، وَكَانَتْ الْأُمَم الْمُتَقَدِّمَة لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِي كَنَائِسهمْ وَبِيَعهمْ ، وَإِنَّمَا سِيقَ هَذَا الْحَدِيث لِهَذَا الْمَعْنَى وَبَيَان مَا يُتَطَهَّر بِهِ مِنْهَا مِمَّا لَا يَجُوز إِنَّمَا هُوَ فِي حَدِيث حُذَيْفَة الَّذِي ذَكَرْنَاهُ اِنْتَهَى . وَقَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح : وَاحْتَجَّ مَنْ خَصَّ التَّيَمُّم بِالتُّرَابِ بِحَدِيثِ حُذَيْفَة عِنْد مُسْلِم بِلَفْظِ " وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْض كُلّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِد الْمَاء " وَهَذَا خَاصّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَل الْعَامّ عَلَيْهِ فَتَخْتَصّ الطَّهُورِيَّة بِالتُّرَابِ ، وَدَلَّ الِافْتِرَاق فِي اللَّفْظ حَيْثُ حَصَلَ التَّأْكِيد فِي جَعْلهَا مَسْجِدًا دُون الْآخَر عَلَى اِفْتِرَاق الْحُكْم وَإِلَّا لَعُطِفَ أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر نَسَقًا كَمَا فِي حَدِيث الْبَاب ، وَمَنَعَ بَعْضهمْ الِاسْتِدْلَال بِلَفْظِ التُّرْبَة عَلَى خُصُوصِيَّة التَّيَمُّم بِالتُّرَابِ بِأَنْ قَالَ تُرْبَة كُلّ مَكَان مَا فِيهِ مِنْ تُرَاب أَوْ غَيْره ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيث الْمَذْكُور بِلَفْظِ التُّرَاب أَخْرَجَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ وَغَيْره ، وَفِي حَدِيث عَلِيّ " وَجُعِلَ التُّرَاب لِي طَهُورًا " أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَن . وَيُقَوِّي الْقَوْل بِأَنَّهُ خَاصّ بِالتُّرَابِ أَنَّ الْحَدِيث سِيقَ@

الصفحة 155