كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

الَّذِي تُنَاخ فِيهِ عِنْد وُرُودهَا الْمَاء فَقَطْ وَالْمَبْرَك أَعَمّ لِأَنَّهُ الْمَوْضِع الْمُتَّخَذ لَهُ فِي كُلّ حَال وَالْمُنَاخ بِضَمِّ الْمِيم وَفِي آخِره خَاء مُعْجَمَة : الْمَكَان الَّذِي تُنَاخ فِيهِ الْإِبِل . وَالْمَرَابِد بِالدَّالِ الْمُهْمَلَة هِيَ الْأَمَاكِن الَّتِي تُحْبَس فِيهَا الْإِبِل وَغَيْرهَا مِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم . وَالْمَبَاءَة الْمَنْزِل الَّذِي يَأْوِي إِلَيْهِ الْإِبِل . قَالَهُ الْعَيْنِيّ . وَالْحَدِيث فِيهِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلَاة فِي مَوَاضِع الْإِبِل ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ
( فَإِنَّهَا مِنْ الشَّيَاطِين )
: أَيْ الْإِبِل خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِين ، كَمَا فِي رِوَايَة اِبْن مَاجَهْ . " فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِين " فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ عِلَّة النَّهْي كَوْن الْإِبِل مِنْ الشَّيَاطِين لَا غَيْر ، فَالْإِبِل تَعْمَل عَمَل الشَّيَاطِين وَالْأَجِنَّة ، لِأَنَّ الْإِبِل كَثِيرَة الشِّرَاد فَتُشَوِّش قَلْب الْمُصَلِّي وَتَمْنَع الْخُشُوع . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنَّهَا مِنْ الشَّيَاطِين . يُرِيد أَنَّهَا لِمَا فِيهَا مِنْ النِّفَار وَالشُّرُود وَرُبَّمَا أَفْسَدَتْ عَلَى الْمُصَلِّي صَلَاته ، وَالْعَرَب تُسَمِّي كُلّ مَارِد شَيْطَانًا كَأَنَّهُ يَقُول : كَأَنَّ الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى بِحَضْرَتِهَا كَانَ مُغَرِّرًا بِصَلَاتِهِ لِمَا لَا يُؤْمِن نِفَارهَا وَخَبْطهَا الْمُصَلِّي ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَأْمُون مِنْ الْغَنَم لِمَا فِيهَا مِنْ السُّكُوت وَضَعْف الْحَرَكَة إِذَا هُيِّجَتْ . وَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاة فِي السُّهُول مِنْ الْأَرْض لِأَنَّ الْإِبِل إِنَّمَا تَأْوِي إِلَيْهَا وَتَعْطِن فِيهَا ، وَالْغَنَم تَبُوء وَتَرُوح إِلَى الْأَرْض الصُّلْبَة ، قَالَ : وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْض الرَّخْوَة الَّتِي يَكْثُر تُرَابهَا ، رُبَّمَا كَانَتْ فِيهَا النَّجَاسَة فَلَا يَتَبَيَّن مَوْضِعهمَا ، فَلَا يَأْمَن الْمُصَلِّي أَنْ تَكُون صَلَاته فِيهِمَا عَلَى نَجَاسَة ، فَأَمَّا الْقَرَار الصُّلْب مِنْ الْأَرْض فَإِنَّهُ ضَاحٍ بَارِز لَا يُخْفِي مَوْضِع النَّجَاسَة إِذَا كَانَتْ فِيهِ وَزَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمَوْضِع الَّذِي يَحُطّ النَّاس رِحَالهمْ فِيهَا إِذَا نَزَلُوا الْمَنَازِل فِي الْأَسْفَار قَالَ : وَمِنْ عَادَة الْمُسَافِرِينَ أَنْ يَكُون بَرَازهمْ بِالْقُرْبِ مِنْ رِحَالهمْ ، فَتُوجَد هَذِهِ الْأَمَاكِن فِي الْأَغْلَب نَجِسَة ، فَقِيلَ لَهُمْ لَا تُصَلُّوا فِيهَا وَتَبَاعَدُوا عَنْهَا وَاَللَّه أَعْلَم .
( فِي مَرَابِض الْغَنَم )
: هِيَ جَمْع مِرْبَض بِكَسْرِ الْبَاء ، لِأَنَّهُ مِنْ رَبَضَ يَرْبِض مِثْل@

الصفحة 160