كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِر أُحِبّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِل ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل وَلَمْ يَكُنْ جُنُبًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَتَوَضَّأ وَيُصَلِّي . وَكَانَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَأَبُو ثَوْر يُوجِبَانِ الِاغْتِسَال عَلَى الْكَافِر إِذَا أَسْلَمَ قَوْلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيث ، وَقَالُوا : لَا يَخْلُو الْمُشْرِك فِي أَيَّام كُفْره مِنْ جِمَاع أَوْ اِحْتِلَام وَهُوَ لَا يَغْتَسِل ، وَلَوْ اِغْتَسَلَ لَمْ يَصِحّ مِنْهُ ، لِأَنَّ الِاغْتِسَال مِنْ الْجَنَابَة فَرْض مِنْ فُروض الدِّين وَهُوَ لَا يُجْزِئهُ إِلَّا بَعْد الْإِيمَان كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَنَحْوهَا . وَكَانَ مَالِك يَرَى أَنْ يَغْتَسِل الْكَافِر إِذَا أَسْلَمَ . وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُشْرِك يَتَوَضَّأ فِي حَال شِرْكه ثُمَّ يُسْلِم ، فَقَالَ بَعْض أَصْحَاب الرَّأْي : لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْوُضُوءِ الْمُتَقَدِّم فِي حَال شِرْكه ، لَكِنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ التَّيَمُّم حَتَّى يَسْتَأْنِف التَّيَمُّم فِي الْإِسْلَام إِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِدًا لِلْمَاءِ ، وَالْفَرْق مِنْ الْأَمْرَيْنِ عِنْدهمْ أَنَّ التَّيَمُّم مُفْتَقِر إِلَى النِّيَّة ، وَنِيَّة الْعِبَادَة لَا تَصِحّ مِنْ مُشْرِك ، وَالطَّهَارَة بِالْمَاءِ غَيْر مُفْتَقِرَة إِلَى النِّيَّة ، فَإِذَا وُجِدَتْ مِنْ الْمُشْرِك صَحَّتْ فِي الْحُكْم كَمَا تُوجَد مِنْ الْمُسْلِم سَوَاء . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : إِذَا تَوَضَّأَ وَهُوَ مُشْرِك أَوْ تَيَمَّمَ ثُمَّ أَسْلَمَ كَانَ عَلَيْهِ إِعَادَة الْوُضُوء لِلصَّلَاةِ بَعْد الْإِسْلَام ، وَكَذَلِكَ التَّيَمُّم لَا فَرْق بَيْنهمَا ، وَلَكِنَّهُ لَوْ كَانَ جُنُبًا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَسْلَمَ ، فَإِنَّ أَصْحَابه قَدْ اِخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الِاغْتِسَال ثَانِيًا كَالْوُضُوءِ سَوَاء وَهَذَا أَشْبَهَ وَأَوْلَى ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنهمَا . فَرَأَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأ عَلَى كُلّ حَال وَلَمْ يُرَ عَلَيْهِ الِاغْتِسَال ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ أَصَابَتْهُ جَنَابَة قَطُّ فِي حَال كُفْره فَلَا غُسْل عَلَيْهِ فِي قَوْلهمْ جَمِيعًا ، وَقَوْل أَحْمَد فِي الْجَمْع بَيْن إِيجَاب الِاغْتِسَال وَالْوُضُوء عَلَيْهِ إِذَا أَسْلَمَ أَشْبَهَ بِظَاهِرِ الْحَدِيث وَأَوْلَى بِالْقِيَاسِ اِنْتَهَى كَلَامه . قُلْت : قَوْل مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الِاغْتِسَال عَلَى الْكَافِر إِذَا أَسْلَمَ هُوَ مُوَافِق بِظَاهِرِ الْحَدِيث لِأَنَّ حَقِيقَة الْأَمْر الْوُجُوب مَا لَمْ تُوجَد قَرِينَة صَارِفَة عَنْهُ@

الصفحة 20