كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)
شَبَّهَ شَغْل الشَّيْطَان نَفْسه عَنْ سَمَاع الْأَذَان بِالصَّوْتِ الَّذِي يَمْلَأ السَّمْع وَيَمْنَعهُ عَنْ سَمَاع غَيْره ثُمَّ سَمَّاهُ ضُرَاطًا تَقْبِيحًا لَهُ
( حَتَّى لَا يَسْمَع التَّأْذِين )
: هَذِهِ غَايَة لِإِدْبَارِهِ وَقَدْ وَقَعَ بَيَان الْغَايَة فِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيث جَابِر فَقَالَ : " حَتَّى يَكُون مَكَان الرَّوْحَاء " وَحَكَى الْأَعْمَش عَنْ أَبِي سُفْيَان رِوَايَة عَنْ جَابِر أَنَّ بَيْن الْمَدِينَة وَالرَّوْحَاء سِتَّة وَثَلَاثِينَ مِيلًا ، وَقَوْله : " حَتَّى لَا يَسْمَع " تَعْلِيل لِإِدْبَارِهِ . اِنْتَهَى . قَالَ الْحَافِظ . ظَاهِره أَنَّهُ يَتَعَمَّد إِخْرَاج ذَلِكَ ، إِمَّا لِيَشْتَغِل بِسَمَاعِ الصَّوْت الَّذِي يُخْرِجهُ عَنْ سَمَاع الْمُؤَذِّن أَوْ يَصْنَع ذَلِكَ اِسْتِخْفَافًا كَمَا يَفْعَلهُ السُّفَهَاء ، وَيَحْتَمِل أَنْ لَا يَتَعَمَّد ذَلِكَ بَلْ يَحْصُل لَهُ عِنْد سَمَاع الْأَذَان شِدَّة خَوْف يَحْدُث لَهُ ذَلِكَ الصَّوْت بِسَبَبِهَا ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَتَعَمَّد ذَلِكَ لِيُقَابِل مَا يُنَاسِب الصَّلَاة مِنْ الطَّهَارَة بِالْحَدَثِ . وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اِسْتِحْبَاب رَفْع الصَّوْت بِالْأَذَانِ لِأَنَّ قَوْله حَتَّى لَا يَسْمَع ظَاهِر فِي أَنَّهُ يَبْعُد إِلَى غَايَة يَنْتَفِي فِيهَا سَمَاعه لِلصَّوْتِ
( فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاء )
: بِضَمِّ أَوَّله عَلَى صِيغَة الْمَجْهُول ، وَالْمُرَاد بِالْقَضَاءِ الْفَرَاغ أَوْ الِانْتِهَاء ، وَيُرْوَى بِفَتْحِ أَوَّله عَلَى صِيغَة الْمَعْرُوف عَلَى حَذْف الْفَاعِل وَالْمُرَاد الْمُنَادَى
( أَقْبَلَ )
: الشَّيْطَان . زَادَ مُسْلِم فِي رِوَايَة أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " فَوَسْوَسَ "
( حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ )
: بِضَمِّ الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَشْدِيد الْوَاو الْمَكْسُورَة أَيْ حَتَّى إِذَا أُقِيمَ لِلصَّلَاةِ . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : التَّثْوِيب هَاهُنَا الْإِقَامَة وَالْعَامَّة لَا تَعْرِف التَّثْوِيب إِلَّا قَوْل الْمُؤَذِّن فِي صَلَاة الْفَجْر الصَّلَاة خَيْر مِنْ النَّوْم حَسْب ، وَمَعْنَى التَّثْوِيب الْإِعْلَام بِالشَّيْءِ وَالْإِنْذَار بِوُقُوعِهِ وَأَصْله أَنْ يُلَوِّح الرَّجُل لِصَاحِبِهِ بِثَوْبِهِ فَيُنْذِرهُ عَنْ الْأَمْر يُرْهِقهُ مِنْ خَوْف أَوْ عَدُوّ ثُمَّ كَثُرَ اِسْتِعْمَاله فِي كُلّ إِعْلَام يَجْهَر بِهِ صَوْته ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْإِقَامَة تَثْوِيبًا ، لِأَنَّهُ إِعْلَام بِإِقَامَةِ الصَّلَاة . وَيُقَال : ثَابَ الشَّيْء إِذَا رَجَعَ وَالْأَذَان إِعْلَام بِوَقْتِ الصَّلَاة@
الصفحة 214