كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)
كَانَ فِي آخِر أَيَّام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَذِّن بِلَيْلٍ ثُمَّ يُؤَذِّن بَعْده اِبْن أُمّ مَكْتُوم مَعَ الْفَجْر . وَثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّن بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّن اِبْن أُمّ مَكْتُوم " . وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى تَقْدِيم أَذَان الْفَجْر قَبْل دُخُول وَقْته جَابِر وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ ، وَكَانَ أَبُو يُوسُف يَقُول بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَة فِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوز ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : لَا بَأْس أَنْ يُؤَذَّن لِلْفَجْرِ خَاصَّة قَبْل طُلُوع الْفَجْر اِتِّبَاعًا لِلْأَثَرِ ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَة وَمُحَمَّد لَا يُجِيزَانِ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى سَائِر الصَّلَوَات ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ ، وَذَهَبَ بَعْض أَصْحَاب الْحَدِيث إِلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِز إِذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ مُؤَذِّنَانِ كَمَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُؤَذِّن فِيهِ إِلَّا مُؤَذِّن وَاحِد ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يَفْعَلهُ إِلَّا بَعْد دُخُول الْوَقْت ، فَيُحْمَل عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِمَسْجِدِ رَسُول اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ فِي الْوَقْت الَّذِي نَهَى عَنْهُ بِلَالًا إِلَّا مُؤَذِّن وَاحِد وَهُوَ بِلَال ثُمَّ أَجَازَهُ حِين أَقَامَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم مُؤَذِّنًا ، لِأَنَّ الْحَدِيث فِي تَأْذِين بِلَال قَبْل الْفَجْر ثَابِت مِنْ رِوَايَة اِبْن عُمَر . اِنْتَهَى . وَقَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح : قَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ يَشْرَع الْأَذَان قَبْل الْفَجْر أَوْ لَا ، وَإِذَا شُرِعَ هَلْ يُكْتَفَى بِهِ عَنْ إِعَادَة الْأَذَان بَعْد الْفَجْر أَوْ لَا ، وَإِلَى مَشْرُوعِيَّته مُطْلَقًا ذَهَبَ الْجُمْهُور ، وَخَالَفَ الثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَمُحَمَّد ، وَإِلَى الِاكْتِفَاء مُطْلَقًا ذَهَبَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَأَصْحَابهمْ ، وَخَالَفَ اِبْن خُزَيْمَةَ وَابْن الْمُنْذِر وَطَائِفَة مِنْ أَهْل الْحَدِيث . وَقَالَ بِهِ الْغَزَالِيّ فِي الْإِحْيَاء . اِنْتَهَى . قُلْت : وَحَدِيث اِبْن عُمَر وَعَائِشَة الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَلَفْظه " إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّن بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّن اِبْن أُمّ مَكْتُوم " يَدُلّ عَلَى عَدَم الِاكْتِفَاء ، وَإِلَى هَذَا مَالَ الْبُخَارِيّ ، كَمَا يَلُوح مِنْ كَلَام الْحَافِظ
( لَمْ يَرْوِهِ )
: هَذَا الْحَدِيث مَرْفُوعًا
( عَنْ أَيُّوب إِلَّا حَمَّاد بْن سَلَمَة )
: وَحَمَّاد بْن سَلَمَة وَهَمَ فِي رَفْعه . قَالَ التِّرْمِذِيّ :@
الصفحة 236
510