كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

الْحَدِيث . وَلِقَوْلِهِ " لَوْ يَعْلَم أَحَدهمْ أَنَّهُ يَجِد عَرْقًا " إِلَى آخِره لِأَنَّ هَذَا الْوَصْف لَائِق بِالْمُنَافِقِينَ لَا بِالْمُؤْمِنِ الْكَامِل ، لَكِنْ الْمُرَاد بِهِ نِفَاق الْمَعْصِيَة لَا نِفَاق الْكُفْر بِدَلِيلِ قَوْله فِي رِوَايَة عَجْلَان " لَا يَشْهَدُونَ الْعِشَاء " فِي الْجَمِيع ، وَقَوْله فِي حَدِيث أُسَامَة " لَا يَشْهَدُونَ الْعِشَاء " وَأَصْرَح مِنْ ذَلِكَ قَوْله فِي رِوَايَة يَزِيد بْن الْأَصَمّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عِنْد أَبِي دُوَاد " ثُمَّ آتِي قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتهمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّة " فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ نِفَاقهمْ نِفَاق مَعْصِيَة لَا كُفْر ، لِأَنَّ الْكَافِر لَا يُصَلِّي فِي بَيْته إِنَّمَا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد رِيَاء وَسُمْعَة ، فَإِذَا خَلَا فِي بَيْته كَانَ كَمَا وَصَفَهُ اللَّه بِهِ مِنْ الْكُفْر وَالِاسْتِهْزَاء ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيّ . وَأَيْضًا فَقَوْله فِي رِوَايَة الْمَقْبُرِيِّ : " لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوت مِنْ النِّسَاء وَالذُّرِّيَّة " يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا كُفَّارًا لِأَنَّ تَحْرِيق بَيْت الْكَافِر إِذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا إِلَى الْغَلَبَة عَلَيْهِ لَمْ يَمْنَع ذَلِكَ وُجُودُ النِّسَاء وَالذُّرِّيَّة فِي بَيْته ، وَعَلَى تَقْدِير أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالنِّفَاقِ فِي الْحَدِيث نِفَاق الْكُفْر فَلَا يَدُلّ عَلَى عَدَم الْوُجُوب ، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّن أَنَّ تَرْك الْجَمَاعَة مِنْ صِفَات الْمُنَافِقِينَ ، وَقَدْ نُهِينَا عَنْ التَّشَبُّه بِهِمْ . وَسِيَاق الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى الْوُجُوب مِنْ جِهَة الْمُبَالَغَة فِي ذَمّ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا . اِنْتَهَى . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَالْحَدِيث أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ ، وَمُسْلِم وَابْن مَاجَهْ .
462 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( أَنْ آمُر فِتْيَتِي )
: أَيْ جَمَاعَة مِنْ شُبَّان أَصْحَابِي أَوْ خَدَمِي وَغِلْمَانِي
( لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّة )
: أَيْ عُذْر وَالْعُذْر الْخَوْف أَوْ الْمَرَض كَمَا فِي الرِّوَايَة الْآتِيَة . وَفِيهِ دَلَالَة @

الصفحة 253