كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَدَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِد فَرَأَى رَجُلًا جَالِسًا وَسْط النَّاس وَقَدْ شَبَّكَ بَيْن أَصَابِعه يُحَدِّث نَفْسه ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَفْطِن لَهُ ، فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي سَعِيد فَقَالَ : إِذَا صَلَّى أَحَدكُمْ فَلَا يُشَبِّكَنَّ بَيْن أَصَابِعه فَإِنَّ التَّشْبِيك مِنْ الشَّيْطَان " فَإِنْ قُلْت : هَذِهِ الْأَحَادِيث ، وَحَدِيث الْبَاب مُعَارِضَة لِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الْمُؤْمِن لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدّ بَعْضه بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعه " وَلَمَّا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي قِصَّة ذِي الْيَدَيْنِ " وَوَضَعَ يَده الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ثُمَّ شَبَّكَ بَيْن أَصَابِعه " الْحَدِيث ، وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ عَلَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِجَوَازِ تَشْبِيك الْأَصَابِع فِي الْمَسْجِد وَغَيْره قُلْت : هَذِهِ الْأَحَادِيث غَيْر مُقَاوِمَة لِحَدِيثِ الْبُخَارِيّ فِي الصِّحَّة وَلَا مُسَاوِيَة . وَقَالَ اِبْن بَطَّال : وَجْه إِدْخَال هَذِهِ التَّرْجَمَة فِي الْفِقْه مُعَارَضَة بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّهْي مِنْ التَّشْبِيك فِي الْمَسْجِد ، وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِ مَرَاسِيل وَمُسْنَد مِنْ طَرِيق غَيْر ثَابِتَة . قُلْت كَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُسْنَدِ حَدِيث كَعْب بْن عُجْرَة الَّذِي ذَكَرْنَاهُ . فَإِنْ قُلْت : حَدِيث كَعْب هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ وَابْن حِبَّان ، قُلْت : فِي إِسْنَاده اِخْتِلَاف فَضَعَّفَهُ بَعْضهمْ بِسَبَبِهِ ، وَقِيلَ : لَيْسَ بَيْن هَذِهِ الْأَحَادِيث مُعَارَضَة ، لِأَنَّ النَّهْي إِنَّمَا وَرَدَ عَنْ فِعْل ذَلِكَ فِي الصَّلَاة أَوْ فِي الْمُضِيّ إِلَى الصَّلَاة ، وَفِعْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِي الصَّلَاة وَلَا فِي الْمُضِيّ إِلَيْهَا فَلَا مُعَارَضَة إِذًا وَبَقِيَ كُلّ حَدِيث عَلَى حِيَاله . فَإِنْ قُلْت فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي قِصَّة ذِي الْيَدَيْنِ وَقَعَ تَشْبِيكه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاة ، قُلْت إِنَّمَا وَقَعَ بَعْد اِنْقِضَاء الصَّلَاة فِي ظَنّه فَهُوَ فِي حُكْم الْمُنْصَرِف@

الصفحة 270