كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

مِمَّنْ لَمْ يَتَعَلَّمهُ لِأَنَّهُ لَا صَلَاة إِلَّا بِقِرَاءَةٍ إِذَا كَانَتْ الْقِرَاءَة مِنْ ضَرُورَة الصَّلَاة وَكَانَتْ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانهَا صَارَتْ مُقَدَّمَة فِي التَّرْتِيب عَلَى الْأَشْيَاء الْخَارِجَة عَنْهَا ثُمَّ تَلَا الْقِرَاءَة بِالسُّنَّةِ وَهِيَ الْفِقْه وَمَعْرِفَة أَحْكَام الصَّلَاة وَمَا سَنَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ فِيهَا وَبَيَّنَهُ مِنْ أَمْرهَا ، وَأَنَّ الْإِمَام إِذَا كَانَ جَاهِلًا بِأَحْكَامِ الصَّلَاة رُبَّمَا يَعْرِض فِيهَا مِنْ سَهْو وَيَقَع مِنْ زِيَادَة وَنُقْصَان أَفْسَدَهَا وَأَخْدَجَهَا ، فَكَانَ الْعَالِم بِهَا الْفَقِيه فِيهَا مُقَدَّمًا عَلَى مَنْ لَمْ يَجْمَع عِلْمهَا وَلَمْ يَعْرِف أَحْكَامهَا . وَمَعْرِفَة السُّنَّة وَإِنْ كَانَتْ مُؤَخَّرَة فِي الذِّكْر وَكَانَ الْقِرَاءَة مُبْتَدَأَة بِذِكْرِهَا فَإِنَّ الْفَقِيه الْعَالِم بِالسُّنَّةِ إِذَا كَانَ يَقْرَأ مِنْ الْقُرْآن مَا تَجُوز بِهِ الصَّلَاة أَحَقّ بِالْإِمَامَةِ مِنْ الْمَاهِر بِالْقِرَاءَةِ إِذَا كَانَ مُخْتَلِفًا عَنْ دَرَجَته فِي عِلْم الْفِقْه وَمَعْرِفَته السُّنَّة . وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْقَارِئ فِي الذِّكْر لِأَنَّ عَامَّة الصَّحَابَة إِذَا اِعْتَبَرْت أَحْوَالهمْ وَجَدْت أَقْرَأهُمْ أَفْقَههمْ بِهِ . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : كَانَ أَحَدنَا إِذَا حَفِظَ سُورَة مِنْ الْقُرْآن لَمْ يَخْرُج عَنْهَا إِلَى غَيْرهَا حَتَّى يُحْكِم عِلْمهَا وَيَعْرِف حَلَالهَا وَحَرَامهَا أَوْ كَمَا قَالَ . فَأَمَّا غَيْرهمْ مِمَّنْ تَأَخَّرَ بِهِمْ الزَّمَان فَإِنَّ أَكْثَرهمْ يَقْرَءُونَ وَلَا يَفْقَهُونَ فَقُرَّاؤُهُمْ كَثِير وَالْفُقَهَاء مِنْهُمْ قَلِيل . وَأَمَّا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : " فَإِنْ اِسْتَوَوْا فِي السُّنَّة فَأَقْدَمهمْ هِجْرَة " فَإِنَّ الْهِجْرَة قَدْ اِنْقَطَعَتْ الْيَوْم إِلَّا أَنَّ فَضِيلَتهَا مَوْرُوثَة ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَوْلَاد الْمُهَاجِرِينَ أَوْ كَانَ فِي آبَائِهِ وَأَسْلَافه مَنْ لَهُ قَدَم فِي الْإِسْلَام أَوْ سَابِقَة فِيهِ أَوْ كَانَ آبَاؤُهُ أَقْدَم إِسْلَامًا@

الصفحة 292