كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

رَجَعْنَا إِلَى الْأَصْل وَهِيَ أَنَّ مَنْ صَحَّتْ صَلَاته صَحَّتْ إِمَامَته ، وَأَيَّدَ ذَلِكَ فِعْل الصَّحَابَة فَإِنَّهُ أَخْرَجَ الْبُخَارِيّ فِي التَّارِيخ عَنْ عَبْد الْكَرِيم أَنَّهُ قَالَ " أَدْرَكْت عَشَرَة مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ خَلْف أَئِمَّة الْجَوْر " وَيُؤَيِّدهُ أَيْضًا حَدِيث مُسْلِم " كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَ عَلَيْكُمْ أُمَرَاء يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاة عَنْ وَقْتهَا أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلَاة عَنْ وَقْتهَا قَالَ : فَمَا تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : صَلِّ الصَّلَاة لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَك نَافِلَة " فَقَدْ أَذِنَ بِالصَّلَاةِ خَلْفهمْ وَجَعَلَهَا نَافِلَة لِأَنَّهُمْ أَخْرَجُوهَا عَنْ وَقْتهَا . وَظَاهِره أَنَّهُمْ لَوْ صَلَّوْهَا فِي وَقْتهَا لَكَانَ مَأْمُورًا بِصَلَاتِهَا خَلْفهمْ فَرِيضَة . اِنْتَهَى .
503 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( اِسْتَخْلَفَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم )
: أَيْ أَقَامَ مَقَام نَفْسه فِي مَسْجِد الْمَدِينَة حِين خَرَجَ إِلَى الْغَزْو
( يَؤُمّ النَّاس )
: بَيَان الِاخْتِلَاف . وَالْحَدِيث دَلِيل عَلَى صِحَّة إِمَامَة الْأَعْمَى مِنْ غَيْر كَرَاهَة فِي ذَلِكَ . قَالَ فِي النَّيْل : وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو إِسْحَاق الْمَرْوَزِيُّ وَالْغَزَالِيّ بِأَنَّ إِمَامَة الْأَعْمَى أَفْضَل مِنْ إِمَامَة الْبَصِير ، لِأَنَّهُ أَكْثَر خُشُوعًا مِنْ الْبَصِير مِنْ شُغْل الْقَلْب بِالْمُبْصَرَاتِ ، وَرَجَّحَ الْبَعْض أَنَّ إِمَامَة الْبَصِير أَوْلَى لِأَنَّهُ أَشَدّ تَوَقِّيًا لِلنَّجَاسَةِ . وَاَلَّذِي فَهِمَهُ الْمَاوَرْدِيّ مِنْ نَصّ الشَّافِعِيّ أَنَّ إِمَامَة الْأَعْمَى وَالْبَصِير سَوَاء فِي عَدَم الْكَرَاهِيَة ، لِأَنَّ فِي كُلّ مِنْهُمَا فَضِيلَة ، غَيْر أَنَّ إِمَامَة الْبَصِير أَفْضَل لِأَنَّ أَكْثَر مَنْ جَعَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَامًا الْبُصَرَاء . وَأَمَّا اِسْتِنَابَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ أُمّ مَكْتُوم فِي غَزَوَاته فَلِأَنَّهُ @

الصفحة 305