كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)
التَّكْبِير وَتَحْلِيلهَا التَّسْلِيم )
: قَالَ الْخَطَّابِيّ فِي هَذَا الْحَدِيث بَيَان أَنَّ التَّسْلِيم رُكْن لِلصَّلَاةِ كَمَا أَنَّ التَّكْبِير رُكْن لَهَا ، وَأَنَّ التَّحْلِيل مِنْهَا إِنَّمَا يَكُون بِالتَّسْلِيمِ دُون الْحَدَث وَالْكَلَام لِأَنَّهُ قَدْ عَرَّفَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّام وَعَيَّنَهُ كَمَا عَيَّنَ الطُّهُور وَعَرَّفَهُ ، فَكَانَ ذَلِكَ مُنْصَرِفًا إِلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَة مِنْ الطَّهَارَة الْمَعْرُوفَة ، وَالتَّعْرِيف بِالْأَلِفِ وَاللَّام مَعَ الْإِضَافَة يُوجِب التَّخْصِيص كَقَوْلِك فُلَان مَبِيته الْمَسَاجِد تُرِيد أَنَّهُ لَا مَبِيت لَهُ يَأْوِي إِلَيْهِ غَيْرهَا . وَفِي النَّيْل : فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ اِفْتِتَاح الصَّلَاة لَا يَكُون إِلَّا بِالتَّكْبِيرِ دُون غَيْره مِنْ الْأَذْكَار ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُور . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : تَنْعَقِد الصَّلَاة بِكُلِّ لَفْظ قُصِدَ بِهِ التَّعْظِيم ، وَالْحَدِيث يَرُدّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِضَافَة فِي قَوْله تَحْرِيمهَا تَقْتَضِي الْحَصْر ، فَكَأَنَّهُ قَالَ جَمِيع تَحْرِيمهَا التَّكْبِير أَيْ اِنْحَصَرَتْ صِحَّة تَحْرِيمهَا فِي التَّكْبِير لَا تَحْرِيم لَهَا غَيْره ، كَقَوْلِهِمْ مَال فُلَان الْإِبِل وَعِلْم فُلَان النَّحْو وَفِي الْبَاب أَحَادِيث كَثِيرَة تَدُلّ عَلَى تَعَيُّن لَفْظ التَّكْبِير مِنْ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ وَفِعْله ، وَعَلَى هَذَا فَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى وُجُوب التَّكْبِير . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حُكْمه فَقَالَ الْحَافِظ : إِنَّهُ رُكْن عِنْد الْجُمْهُور ، وَشَرْط عِنْد الْحَنَفِيَّة ، وَوَجْه عِنْد الشَّافِعِيّ ، وَسُنَّة عِنْد الزُّهْرِيّ . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَد غَيْره . وَرُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِك ، وَلَمْ يَثْبُت عَنْ أَحَد مِنْهُمْ تَصْرِيحًا ، وَإِنَّمَا قَالُوا فِيمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَام رَاكِعًا يَجْزِيه تَكْبِيرَةُ الرُّكُوع . اِنْتَهَى . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْن مَاجَهْ . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ : هَذَا الْحَدِيث أَصَحّ شَيْء فِي هَذَا الْبَاب وَأَحْسَن . وَقَالَ أَبُو نُعَيْم الْأَصْبَهَانِيّ : مَشْهُور لَا يُعْرَف إِلَّا مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل بِهَذَا اللَّفْظ مِنْ حَدِيث عَلِيٍّ . هَذَا آخِر كَلَامه . وَعَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل قَدْ اِحْتَجَّ بَعْضهمْ بِحَدِيثِهِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضهمْ . اِنْتَهَى .@
الصفحة 326