كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

أَوْ السُّنَّة الْمُؤَكَّدَة وَهِيَ الْغُسْل . وَقَوْله : الْوُضُوء جَاءَتْ الرِّوَايَات فِيهَا بِالْوَاوِ وَحَذْفهَا ، فَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ : وَالْوُضُوء بِالْوَاوِ ، وَفِي رِوَايَة الْمُوَطَّإِ : الْوُضُوء بِحَذْفِ الْوَاو . قَالَ الْحَافِظ اِبْن حَجَر : وَالْوُضُوء فِي رِوَايَتنَا بِالنَّصْبِ ، وَالْمَعْنَى أَيْ تَتَوَضَّأ الْوُضُوء مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ ، وَجَوَّزَ الْقُرْطُبِيّ الرَّفْع عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأ حُذِفَ خَبَره أَيْ الْوُضُوء تَقْتَصِر عَلَيْهِ أَوْ هُوَ خَبَر مُبْتَدَؤُهُ مَحْذُوف أَيْ كِفَايَتك الْوُضُوء
( أَيْضًا )
: مَنْصُوب عَلَى أَنَّهُ مَصْدَر مِنْ أَضَّ يَئِيض ، أَيْ عَادَ وَرَجَعَ . قَالَ اِبْن السِّكِّيت : تَقُول فَعَلْته أَيْضًا إِذَا كُنْت قَدْ فَعَلْته بَعْد شَيْء آخَر كَأَنَّك أَفَدْت بِذِكْرِهِمَا الْجَمْع بَيْن الْأَمْرَيْنِ أَوْ الْأُمُور . ذَكَرَهُ الْعَلَّامَة الْعَيْنِيّ : قَالَ السُّيُوطِيُّ : فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ لَفْظ أَيْضًا عَرَبِيَّة ، وَقَدْ تَوَقَّفَ بِهِ جَمَال الدِّين بْن هِشَام . قُلْت : وَفِي حَدِيث سَمُرَة فِي الْكُسُوف : " أَنَّ الشَّمْس اِسْوَدَّتْ حَتَّى آضَتْ " قَالَ أَبُو عُبَيْد : أَيْ صَارَتْ وَرَجَعَتْ . وَقَدْ أَثْبَتَهُ أَهْل اللُّغَة كَمَا يَظْهَر مِنْ اللِّسَان . وَالْمَعْنَى أَلَمْ يَكْفِك أَنْ فَاتَك فَضْل الْمُبَادَرَة إِلَى الْجُمُعَة حَتَّى أَضَفْت إِلَيْهِ تَرْك الْغُسْل وَاقْتَصَرْت عَلَى الْوُضُوء أَيْضًا
( أَوَلَمْ تَسْمَعُوا )
: بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَام وَالْوَاو الْعَاطِفَة
( إِذَا أَتَى أَحَدكُمْ الْجُمُعَة فَلْيَغْتَسِلْ )
: الْفَاء لِلتَّعْقِيبِ وَظَاهِره أَنَّ الْغُسْل يَعْقُب الْمَجِيء وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَاد ، وَإِنَّمَا التَّقْدِير إِذَا أَرَادَ أَحَدكُمْ ، وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَة عِنْد مُسْلِم بِلَفْظِ : ( إِذَا أَرَادَ أَحَدكُمْ أَنْ يَأْتِي الْجُمُعَة فَلْيَغْتَسِلْ ) قَالَ الْحَافِظ بْن حَجَر : وَنَظِير ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُول فَقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ نَجَوَاكُمْ صَدَقَة } فَإِنَّ الْمَعْنَى : إِذَا أَرَدْتُمْ الْمُنَاجَاة بِلَا خِلَاف . قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِم : وَفِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّ غُسْل يَوْم الْجُمُعَة غَيْر وَاجِب وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَشْبَهَ أَنْ يَأْمُر عُمَرُ عُثْمَان أَنْ يَنْصَرِف فَيَغْتَسِل ، فَدَلَّ سُكُوت عُمَر وَمَنْ حَضَرَهُ مِنْ الصَّحَابَة عَلَى أَنَّ الْأَمْر بِهِ عَلَى سَبِيل الِاسْتِحْبَاب دُون الْوُجُوب وَلَيْسَ يَجُوز عَلَى عُمَر@

الصفحة 4