كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

يَقُلْ وَمَا يُعَذِّبهُمْ وَكَذَا فِي لَفْظ الرَّشّ حَيْثُ اِخْتَارَهُ عَلَى الْغَسْل لِأَنَّ الرَّشّ لَيْسَ جَرَيَان الْمَاء بِخِلَافِ الْغَسْل ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَط فِيهِ الْجَرَيَان ، فَنَفْي الرَّشّ أَبْلَغ مِنْ نَفْي الْغَسْل . قَالَ اِبْن الْأَثِير : لَا يَنْضَحُونَهُ بِالْمَاءِ
( شَيْئًا )
: مِنْ الْمَاء ، وَهَذَا اللَّفْظ أَيْضًا عَامّ لِأَنَّهُ نَكِرَة وَقَعَتْ فِي سِيَاق النَّفْي ، وَهَذَا كُلّه لِلْمُبَالَغَةِ فِي عَدَم نَضْح الْمَاء
( مِنْ ذَلِكَ )
: الْبَوْل وَالْإِقْبَال وَالْإِدْبَار . وَالْحَدِيث فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْأَرْض إِذَا أَصَابَتْهَا نَجَاسَة فَجَفَّتْ بِالشَّمْسِ أَوْ الْهَوَاء فَذَهَبَ أَثَرهَا تَطْهُر إِذْ عَدَم الرَّشّ يَدُلّ عَلَى جَفَاف الْأَرْض ، وَطَهَارَتهَا . قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِم السُّنَن : وَكَانَتْ الْكِلَاب تَبُول وَتُقْبِل وَتُدْبِر فِي الْمَسْجِد عَابِرَة إِذْ لَا يَجُوز أَنْ تَتْرُك الْكِلَاب اِنْتِيَاب الْمَسْجِد حَتَّى تَمْتَهِنهُ وَتَبُول فِيهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ إِقْبَالهَا وَإِدْبَارهَا فِي أَوْقَات نَادِرَة ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَسْجِد أَبْوَاب تَمْنَع مِنْ عُبُورهَا فِيهِ .
وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة ، فَرُوِيَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُ قَالَ : جُفُوف الْأَرْض طُهُورهَا ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن : الشَّمْس تُزِيل النَّجَاسَة عَنْ الْأَرْض إِذَا ذَهَبَ الْأَثَر ، وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي الْأَرْض : إِذَا أَصَابَتْهَا نَجَاسَة لَا يُطَهِّرهَا إِلَّا الْمَاء . اِنْتَهَى . وَقَالَ فِي الْفَتْح : وَاسْتَدَلَّ أَبُو دَاوُدَ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْأَرْض تَطْهُر إِذَا لَاقَتْهَا النَّجَاسَة بِالْجَفَافِ ، يَعْنِي أَنَّ قَوْله لَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ يَدُلّ عَلَى نَفْي صَبّ الْمَاء مِنْ بَاب الْأَوْلَى ، فَلَوْلَا أَنَّ الْجَفَاف يُفِيد تَطْهِير الْأَرْض مَا تَرَكُوا ذَلِكَ ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ . اِنْتَهَى .
قُلْتُ : لَيْسَ عِنْدِي فِي هَذَا الِاسْتِدْلَال خَفَاء بَلْ هُوَ وَاضِح ، فَالْأَرْض الَّتِي أَصَابَتْهَا نَجَاسَة فِي طَهَارَتهَا وَجْهَانِ : الْأَوَّل صَبّ الْمَاء عَلَيْهَا كَمَا سَلَف فِي الْبَاب الْمُتَقَدِّم ، وَالثَّانِي جَفَافهَا وَيُبْسهَا بِالشَّمْسِ أَوْ الْهَوَاء كَمَا فِي حَدِيث الْبَاب ، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم وَعِلْمه أَتَمّ .@

الصفحة 43