كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

( اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْن خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْت بَيْن الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب )
: أَخْرَجَهُ مَخْرَج الْمُبَالَغَة لِأَنَّ الْمُفَاعَلَة إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلْمُبَالَغَةِ فَهِيَ لِلْمُبَالَغَةِ . وَقِيلَ تُفِيد الْبُعْد مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْن خَطَايَايَ وَبَاعِدْ بَيْن خَطَايَايَ وَبَيْنِي . وَالْخَطَايَا إِمَّا أَنْ يُرَاد بِهَا اللَّاحِقَة فَمَعْنَاهُ إِذَا قُدِّرَ لِي ذَنْب فَبَعِّدْ بَيْنِي وَبَيْنه وَالْمَقْصُود مَا سَيَأْتِي ، أَوْ السَّابِقَة فَمَعْنَاهُ الْمَحْو وَالْغُفْرَان لِمَا حَصَلَ مِنْهَا وَهُوَ مَجَاز لِأَنَّ حَقِيقَة الْمُبَاعَدَة إِنَّمَا هُوَ فِي الزَّمَان وَالْمَكَان وَمَوْقِع التَّشْبِيه أَنَّ اِلْتِقَاء الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب مُسْتَحِيل فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَبْقَى لَهَا مِنْهُ اِقْتِرَاب بِالْكُلِّيَّةِ . وَكَرَّرَ لَفْظ بَيْن هُنَا وَلَمْ يُكَرِّر بَيْن الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب لِأَنَّ الْعَطْف عَلَى الضَّمِير الْمَجْرُور يُعَاد فِيهِ الْجَارّ
( اللَّهُمَّ أَنْقِنِي مِنْ خَطَايَايَ كَالثَّوْبِ الْأَبْيَض مِنْ الدَّنَس )
: وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ " اللَّهُمَّ نَقِّنِي " قَالَ الْحَافِظ مَجَاز عَنْ زَوَال الذُّنُوب وَمَحْو أَثَرهَا . وَلَمَّا كَانَ الدَّنَس فِي الثَّوْب الْأَبْيَض أَظْهَر مِنْ غَيْره مِنْ الْأَلْوَان وَقَعَ التَّشْبِيه بِهِ . قَالَهُ اِبْن دَقِيق الْعِيد
( اللَّهُمَّ اِغْسِلْنِي بِالثَّلْجِ )
: بِالسُّكُونِ
( وَالْمَاء وَالْبَرَد )
: بِفَتْحَتَيْنِ . قَالَ الْخَطَّابِيّ : ذَكَرَ الثَّلْج وَالْبَرَد تَأْكِيدًا أَوْ لِأَنَّهُمَا مَاءَانِ لَمْ تَمَسّهُمَا الْأَيْدِي وَلَمْ يَمْتَهِنهُمَا الِاسْتِعْمَال وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : عَبَّرَ بِذَلِكَ عَنْ غَايَة الْمَحْو فَإِنَّ الثَّوْب الَّذِي يَتَكَرَّر عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَشْيَاء مُنْقِيَة يَكُون فِي غَايَة النَّقَاء . قَالَ وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد أَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاء مَجَاز عَنْ صِفَة يَقَع بِهَا الْمَحْو وَكَأَنَّهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا } وَأَشَارَ الطِّيبِيُّ إِلَى هَذَا بَحْثًا فَقَالَ يُمْكِن أَنْ يَكُون الْمَطْلُوب مِنْ ذِكْر الثَّلْج وَالْبَرَد بَعْد الْمَاء شُمُول أَنْوَاع الرَّحْمَة وَالْمَغْفِرَة بَعْد الْعَفْو لِإِطْفَاءِ حَرَارَة عَذَاب النَّار الَّتِي هِيَ فِي غَايَة الْحَرَارَة ، وَمِنْهُ قَوْلهمْ : بَرَّدَ اللَّه مَضْجَعه . أَيْ رَحِمَهُ وَوَقَاهُ عَذَاب النَّار اِنْتَهَى . وَيُؤَيِّدهُ وُرُود وَصْف الْمَاء بِالْبُرُودَةِ فِي حَدِيث@

الصفحة 486