كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

تَرْجَمَ مِقْدَار الرُّكُوع وَالسُّجُود ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيث الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْره فِي قَوْله : سُبْحَان رَبِّيَ الْعَظِيم ثَلَاثًا فِي الرُّكُوع وَذَلِكَ أَدْنَاهُ . قَالَ فَذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّ هَذَا مِقْدَار الرُّكُوع وَالسُّجُود لَا يُجْزِئ أَدْنَى مِنْهُ . قَالَ وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَقَالُوا إِذَا اِسْتَوَى رَاكِعًا وَاطْمَأَنَّ سَاجِدًا أَجْزَأَ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَأَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد ذَكَرَهُ الْحَافِظ فِي الْفَتْح
( وَكَانَ يَقُول فِي كُلّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّات )
: أَيْ يَقْرَؤُهَا بَعْدهمَا . وَفِي حُجَّة لِأَحْمَد بْن حَنْبَل رَحِمَهُ اللَّه وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ فُقَهَاء أَصْحَاب الْحَدِيث أَنَّ التَّشَهُّد الْأَوَّل وَالْأَخِير وَاجِبَانِ . وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَالْأَكْثَرُونَ : هُمَا سُنَّتَانِ لَيْسَا وَاجِبَيْنِ . وَقَالَ الشَّافِعِيّ الْأَوَّل سُنَّة وَالثَّانِي وَاجِب . وَاحْتَجَّ أَحْمَد رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيث مَعَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَبِقَوْلِهِ : " كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمنَا التَّشَهُّد كَمَا يُعَلِّمنَا السُّورَة مِنْ الْقُرْآن " " إِذَا صَلَّى أَحَدكُمْ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّات " وَالْأَمْر لِلْوُجُوبِ . وَاحْتَجَّ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ التَّشَهُّد وَجَبَرَهُ بِسُجُودِ السَّهْو وَلَوْ وَجَبَ لَمْ يَصِحّ جَبْره كَالرُّكُوعِ وَغَيْره مِنْ الْأَرْكَان . قَالُوا وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْأَوَّل فَالْأَخِير بِمَعْنَاهُ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَلِّمهُ الْأَعْرَابِيّ حِين عَلَّمَهُ فُرُوض الصَّلَاة . قَالَهُ النَّوَوِيّ .
( يَفْرِش )
: بِكَسْرِ الرَّاء وَضَمّهَا
( وَيَنْصِب رِجْله الْيُمْنَى )
: أَيْ يَضَع أَصَابِعهَا عَلَى الْأَرْض وَيَرْفَع عَقِبهَا . فِيهِ حُجَّة لِأَبِي حَنِيفَة وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ الْجُلُوس فِي الصَّلَاة يَكُون مُفْتَرِشًا سَوَاء فِيهِ جَمِيع الْجَلَسَات . وَعِنْد مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : يُسَنّ مُتَوَرِّكًا بِأَنْ يُخْرِج رِجْله الْيُسْرَى مِنْ تَحْته وَيُفْضِي بِوَرِكِهِ إِلَى الْأَرْض وَقَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه : السُّنَّة أَنْ يَجْلِس كُلّ الْجَلَسَات مُفْتَرِشًا إِلَّا الَّتِي يَعْقُبهَا السَّلَام . وَاحْتِجَاج الشَّافِعِيّ بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيّ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَفِيهِ التَّصْرِيح بِالِافْتِرَاشِ فِي الْجُلُوس@

الصفحة 491