كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

( وَكَانَتْ الْأَنْفَال مِنْ أَوَّل مَا نَزَلَ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَتْ بَرَاءَة مِنْ آخِر مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن )
: أَيْ فَهِيَ مَدَنِيَّة أَيْضًا وَبَيْنهمَا النِّسْبَة التَّرْتِيبِيَّة بِالْأَوَّلِيَّةِ وَالْآخِرِيَّة ، فَهَذَا أَحَد وُجُوه الْجَمْع بَيْنهمَا ، وَكَانَ هَذَا مُسْتَنَد مَنْ قَالَ إِنَّهُمَا سُورَة وَاحِدَة ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخ عَنْ رَوْق وَأَبُو يَعْلَى عَنْ مُجَاهِد وَابْن أَبِي حَاتِم عَنْ سُفْيَان وَابْن لَهِيعَة كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ بَرَاءَة مِنْ الْأَنْفَال ، وَلِهَذَا لَمْ تُكْتَب الْبَسْمَلَة بَيْنهمَا مَعَ اِشْتِبَاه طُرُقهمَا . وَرَدَ بِتَسْمِيَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِاسْمٍ مُسْتَقِلّ . قَالَ الْقُشَيْرِيُّ : إِنَّ الصَّحِيح أَنَّ التَّسْمِيَة لَمْ تَكُنْ فِيهَا لِأَنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ يَنْزِل بِهَا فِيهَا . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : لَمْ تُكْتَب الْبَسْمَلَة فِي بَرَاءَة لِأَنَّهَا أَمَان وَبَرَاءَة نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ . وَعَنْ مَالِك أَنَّ أَوَّلهَا لَمَّا سَقَطَ سَقَطَتْ مَعَهُ الْبَسْمَلَة ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ تَعْدِل الْبَقَرَة لِطُولِهَا وَقِيلَ إِنَّهَا ثَابِتَة أَوَّلهَا فِي مُصْحَف اِبْن مَسْعُود وَلَا يُعَوَّل عَلَى ذَلِكَ
( وَكَانَتْ قِصَّتهَا )
: أَيْ بَرَاءَة
( شَبِيهَة بِقِصَّتِهَا )
: أَيْ الْأَنْفَال وَيَجُوز الْعَكْس وَهَذَا وَجْه آخَر مَعْنَوِيّ ، وَلَعَلَّ الْمُشَابَهَة فِي قَضِيَّة الْمُقَاتَلَة بِقَوْلِهِ فِي سُورَة بَرَاءَة { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبهُمْ اللَّه } وَنَحْوه ، وَفِي نَبْذ الْعَهْد بِقَوْلِهِ فِي الْأَنْفَال { فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ } وَقَالَ اِبْن حَجَر : لِأَنَّ الْأَنْفَال بَيَّنَتْ مَا وَقَعَ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مُشْرِكِي مَكَّة ، وَبَرَاءَة بَيَّنَتْ مَا وَقَعَ لَهُ مَعَ مُنَافِقِي أَهْل الْمَدِينَة . وَالْحَاصِل أَنَّ هَذَا مِمَّا ظَهَرَ لِي فِي أَمْر الِاقْتِرَان بَيْنهمَا .
( فَظَنَنْت أَنَّهَا )
: أَيْ التَّوْبَة
( مِنْهَا )
: أَيْ الْأَنْفَال
( فَمِنْ هُنَاكَ )
: أَيْ لِمَا ذُكِرَ مِنْ عَدَم تَبْيِينه وَوُجُوه مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ الْمُنَاسَبَة بَيْنهمَا
( وَضَعْتهمَا فِي السَّبْع الطُّوَال وَلَمْ أَكْتُب بَيْنهمَا سَطْر بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم )
: أَيْ لِعَدَمِ الْعِلْم بِأَنَّهَا سُورَة مُسْتَقِلَّة@

الصفحة 497