كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

لِأَنَّ الْبَسْمَلَة كَانَتْ تَنْزِل عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَصْلِ وَلَمْ تَنْزِل وَلَمْ أَكْتُب وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ الْحِكْمَة فِي عَدَم نُزُول الْبَسْمَلَة وَهُوَ أَنَّ اِبْن عَبَّاس سَأَلَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِمَ لَمْ تَكْتُب ؟ قَالَ : لِأَنَّ بِسْمِ اللَّه أَمَان وَلَيْسَ فِيهَا أَمَان أُنْزِلَتْ بِالسَّيْفِ ، وَكَانَتْ الْعَرَب تَكْتُبهَا أَوَّل مُرَاسَلَاتهمْ فِي الصُّلْح وَالْأَمَان وَالْهُدْنَة ، فَإِذَا نَبَذُوا الْعَهْد وَنَقَضُوا الْأَيْمَان لَمْ يَكْتُبُوهَا وَنَزَلَ الْقُرْآن عَلَى هَذَا الِاصْطِلَاح ، فَصَارَتْ عَلَامَة الْأَمَان وَعَدَمهَا عَلَامَة نَقْضِهِ ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْله أَمَان ، وَقَوْلهمْ آيَة رَحْمَة وَعَدَمهَا عَذَاب . قَالَ الطِّيبِيُّ : دَلَّ هَذَا الْكَلَام عَلَى أَنَّهُمَا نَزَلَتَا مَنْزِلَة سُورَة وَاحِدَة وَكَمُلَ السَّبْع الطُّوَال بِهَا ، ثُمَّ قِيلَ السَّبْع الطُّوَال هِيَ الْبَقَرَة وَبَرَاءَة وَمَا بَيْنهمَا وَهُوَ الْمَشْهُور ، لَكِنْ رَوَى النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِم عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهَا الْبَقَرَة وَالْأَعْرَاف وَمَا بَيْنهمَا . قَالَ الرَّاوِي : وَذَكَرَ السَّابِعَة فَنَسِيتهَا وَهُوَ يَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْفَاتِحَة فَإِنَّهَا مِنْ السَّبْع الْمَثَانِي أَوْ هِيَ السَّبْع الْمَثَانِي وَنَزَلَتْ سَبْعَتهَا مَنْزِلَة الْمِئِينَ ، وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْأَنْفَال بِانْفِرَادِهَا أَوْ بِانْضِمَامِ مَا بَعْدهَا إِلَيْهَا . وَصَحَّ عَنْ اِبْن جُبَيْر أَنَّهَا يُونُس وَجَاءَ مِثْله عَنْ اِبْن عَبَّاس وَلَعَلَّ وَجْهه أَنَّ الْأَنْفَال وَمَا بَعْدهَا مُخْتَلَف فِي كَوْنهَا مِنْ الْمَثَانِي وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُورَة أَوْ هُمَا سُورَة كَذَا فِي الْمِرْقَاة . وَقَدْ اُسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَة مِنْ الْقُرْآن بِأَنَّهَا مُثْبَتَة فِي أَوَائِل السُّوَر بِخَطِّ الْمُصْحَف فَتَكُون مِنْ الْقُرْآن فِي الْفَاتِحَة ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا أَثْبَتُوهَا بِخَطِّ الْقُرْآن . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ هَذَا حَدِيث حَسَن لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث عَوْف عَنْ يَزِيد الْفَارِسِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَيَزِيد الْفَارِسِيّ قَدْ رَوَى عَنْ اِبْن عَبَّاس غَيْر حَدِيث وَيُقَال هُوَ يَزِيد بْن هُرْمُز وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ هُوَ الَّذِي قَالَهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَذَكَرَ غَيْرهمَا أَنَّهُمَا اِثْنَانِ ، وَأَنَّ الْفَارِسِيّ غَيْر اِبْن هُرْمُز وَأَنَّ اِبْن هُرْمُز ثِقَة وَالْفَارِسِيّ لَا بَأْس بِهِ . اِنْتَهَى .@

الصفحة 498