كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

بَعْد صِحَّة السَّنَد وَلَا يَصِحّ فِي الْجَهْر شَيْء مَرْفُوع كَمَا نُقِلَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ وَإِنَّمَا يَصِحّ عَنْ بَعْض الصَّحَابَة مَوْقُوف ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ بِصُورَةِ النَّفْي لَكِنَّهَا بِمَعْنَى الْإِثْبَات ، وَقَوْلهمْ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعهُ لِبُعْدِهِ بَعِيد مَعَ طُول صُحْبَته ، وَعَنْ الثَّالِث بِأَنَّ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ فِي حَال حِفْظه أَوْلَى مِمَّنْ أَخَذَهُ عَنْهُ فِي حَال نِسْيَانه ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَنَس أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَيْء فَقَالَ : سَلُوا الْحَسَن فَإِنَّهُ يَحْفَظ وَنَسِيت . وَقَالَ الْحَازِمِيّ : الْأَحَادِيث فِي الْإِخْفَاء نُصُوص لَا تَحْتَمِل التَّأْوِيل ، وَأَيْضًا فَلَا يُعَارِضهَا غَيْرهَا لِثُبُوتِهَا وَصِحَّتهَا ، وَأَحَادِيث الْجَهْر لَا تُوَازِيهَا فِي الصِّحَّة بِلَا رَيْب . ثُمَّ إِنَّ أَصَحّ أَحَادِيث تَرْك الْجَهْر حَدِيث أَنَس وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي لَفْظه فَأَصَحّ الرِّوَايَات عَنْهُ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَة بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ، كَذَا قَالَ أَكْثَر أَصْحَاب شُعْبَة عَنْهُ عَنْ قَتَادَة عَنْ أَنَس ، وَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَر أَصْحَاب قَتَادَة عَنْهُ وَعَلَى هَذَا اللَّفْظ اِتَّفَقَ الشَّيْخَانِ وَجَاءَ عَنْهُ لَمْ أَسْمَع أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَر بِالْبَسْمَلَةِ ، وَرُوَاة هَذِهِ أَقَلّ مِنْ رُوَاة ذَلِكَ . وَانْفَرَدَ بِهَا مُسْلِم وَجَاءَ عَنْهُ حَدِيث هَمَّام وَجَرِير بْن حَازِم عَنْ قَتَادَة " سُئِلَ أَنَس كَيْفَ كَانَ قِرَاءَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : كَانَتْ مَدًّا يَمُدّ بِسْمِ اللَّه وَيَمُدّ الرَّحْمَن الرَّحِيم " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ . وَجَاءَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَة أَبِي مَسْلَمَة الْحَدِيث الْمَذْكُور قِيلَ إِنَّهُ سُئِلَ بِمَ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِح ، ثُمَّ قَالَ الْحَازِمِيّ : وَالْحَقّ أَنَّ هَذَا مِنْ الِاخْتِلَاف الْمُبَاح ، وَلَا نَاسِخ فِي ذَلِكَ وَلَا مَنْسُوخ وَاَللَّه أَعْلَم . اِنْتَهَى .
وَذَكَرَ اِبْن الْقَيِّم فِي الْهَدْي : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَر بِبِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم تَارَة وَيُخْفِيهَا أَكْثَر مِمَّا جَهَرَ بِهَا ، وَلَا رَيْب أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجْهَر بِهَا دَائِمًا فِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة خَمْس مَرَّات أَبَدًا حَضَرًا وَسَفَرًا وَيُخْفِي ذَلِكَ عَلَى خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَعَلَى جُمْهُور أَصْحَابه وَأَهْل بَلَده فِي الْأَعْصَار الْفَاضِلَة ، هَذَا مِنْ أَمْحَل الْمُحَال حَتَّى يُحْتَاج إِلَى التَّشَبُّث فِيهِ بِأَلْفَاظٍ مُجْمَلَة وَأَحَادِيث وَاهِيَة . فَصَحِيح تِلْكَ@

الصفحة 501