كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

فَالْحَاصِل أَنَّهُ حَازَ بَيْن الْفَضِيلَتَيْنِ وَهُمَا قَصْد الْإِطَالَة وَالشَّفَقَة وَالرَّحْمَة وَتَرْك الْمَلَالَة وَلِذَا وَرَدَ " نِيَّة الْمُؤْمِن خَيْر مِنْ عَمَله " اِنْتَهَى .
قُلْت : حَدِيث " نِيَّة الْمُؤْمِن خَيْر مِنْ عَمَله " قَالَ اِبْن دِحْيَة لَا يَصِحّ ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِسْنَاده ضَعِيفٌ . كَذَا فِي الْفَوَائِد الْمَجْمُوعَة
( كَرَاهِيَة )
: بِالنَّصْبِ لِلْعِلِّيَّةِ
( أَنْ أَشُقّ عَلَى أُمّه )
: فِي مَحَلّ الْجَرّ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إِلَيْهِ كَرَاهِيَة ، يُقَال شَقَّ عَلَيْهِ أَيْ ثَقُلَ أَوْ حَمَلَهُ مِنْ الْأَمْر الشَّدِيد مَا يَشُقّ وَيَشْتَدّ عَلَيْهِ ، وَالْمَعْنَى كَرَاهِيَة وُقُوع الْمَشَقَّة عَلَيْهَا مِنْ بُكَاء الصَّبِيّ . وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى مَشْرُوعِيَّة الرِّفْق بِالْمَأْمُومِينَ وَمُرَاعَاة مَصَالِحهمْ وَدَفْع مَا يَشُقّ عَلَيْهِمْ وَإِيثَار تَخْفِيف الصَّلَاة لِلْأَمْرِ يَحْدُث . قَالَ الْإِمَام الْخَطَّابِيّ فِي الْمَعَالِم : فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْإِمَام وَهُوَ رَاكِع إِذَا أَحَسَّ بِرَجُلٍ يُرِيد الصَّلَاة مَعَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرهُ رَاكِعًا لِيُدْرِك فَضِيلَة الرَّكْعَة فِي الْجَمَاعَة لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْذِف مِنْ طُول الصَّلَاة لِحَاجَةِ إِنْسَان فِي بَعْض أُمُور الدُّنْيَا كَانَ لَهُ أَنْ يَزِيد فِيهَا لِعِبَادَةِ اللَّه تَعَالَى بَلْ هُوَ أَحَقّ بِذَلِكَ وَأَوْلَى . وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْض الْعُلَمَاء وَشَدَّدَ فِيهِ بَعْضهمْ وَقَالَ : أَخَاف أَنْ يَكُون شِرْكًا ، وَهُوَ قَوْل مُحَمَّد بْن الْحَسَن . اِنْتَهَى .
قُلْت : تَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيّ بِأَنَّ فِي التَّطْوِيل هُنَا زِيَادَة عَمَل فِي الصَّلَاة غَيْر مَطْلُوب بِخِلَافِ التَّخْفِيف فَإِنَّهُ مَطْلُوب اِنْتَهَى . وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة خِلَاف عِنْد الشَّافِعِيَّة وَتَفْصِيل ، وَأَطْلَقَ النَّوَوِيّ عَنْ الْمَذْهَب اِسْتِحْبَاب ذَلِكَ . وَفِي التَّجْرِيد لِلْمَحَامِلِيِّ نُقِلَ كَرَاهِيَته عَنْ الْجَدِيد ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَأَبُو يُوسُف . وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن : أَخْشَى أَنْ يَكُون شِرْكًا . ذَكَرَهُ الْحَافِظ فِي فَتْح الْبَارِي .@

الصفحة 503