كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

يُقَارِنهَا إِذَا طَلَعَتْ فَإِذَا اِرْتَفَعَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا اِسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا ، فَحُرِّمَتْ الصَّلَاة فِي هَذِهِ الْأَوْقَات لِذَلِكَ وَقِيلَ مَعْنَى قَرْن الشَّيْطَان قُوَّته مِنْ قَوْلك أَنَا مُقْرِن لِهَذَا الْأَمْر أَيْ مُطِيق لَهُ قَوِيّ عَلَيْهِ قَالَ اللَّه تَعَالَى { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } أَيْ مُطِيقِينَ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَان إِنَّمَا يَقْوَى أَمْره فِي هَذِهِ الْأَوْقَات لِأَنَّهُ يُسَوِّل لِعَبَدَةِ الشَّمْس أَنْ يَسْجُدُوا لَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَات الثَّلَاثَة . وَقِيلَ قَرْنه حِزْبه وَأَصْحَابه الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الشَّمْس يُقَال هَؤُلَاءِ قَرْن أَيْ شُيُوخًا جَاءُوا بَعْد قَرْن مَضَوْا . وَقِيلَ إِنَّ هَذَا تَمْثِيل وَتَشْبِيه ، وَذَلِكَ أَنَّ تَأْخِير الصَّلَاة إِنَّمَا هُوَ مِنْ تَسْوِيل الشَّيْطَان لَهُمْ وَتَسْوِيفه وَتَزْيِينه ذَلِكَ فِي قُلُوبهمْ ، وَذَوَات الْقُرُون ، إِنَّمَا تُعَالِج الْأَشْيَاء وَتَدْفَعهَا بِقُرُونِهَا فَكَأَنَّهُمْ لَمَّا دَفَعُوا الصَّلَاة وَأَخَّرُوهَا عَنْ أَوْقَاتهَا بِتَسْوِيلِ الشَّيْطَان لَهُمْ حَتَّى اِصْفَرَّتْ الشَّمْس صَارَ ذَلِكَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ مَا تُعَالِجهُ ذَوَات الْقُرُون وَتُدَافِعهُ بِأَرْوَاقِهَا وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِيهِ خَامِس قَالَهُ بَعْض أَهْل الْعِلْم . وَهُوَ أَنَّ الشَّيْطَان يُقَابِل الشَّمْس حِين طُلُوعهَا وَيَنْتَصِب دُونهَا حَتَّى يَكُون طُلُوعهَا بَيْن قَرْنَيْهِ وَهُمَا جَانِبَا رَأْسه فَيَنْقَلِب سُجُود الْكُفَّار عِبَادَة لَهُ . اِنْتَهَى كَلَام الْخَطَّابِيِّ . وَهَذَا الْوَجْه الْخَامِس رَجَّحَهُ شَيْخنَا الْعَلَامَة الدَّهْلَوِيُّ
( قَامَ )
: أَيْ إِلَى الصَّلَاة
( فَنَقَرَ أَرْبَعًا )
: أَيْ لَقَطَ أَرْبَع رَكَعَات ، وَهَذَا عِبَارَة عَنْ سُرْعَة أَدَاء الصَّلَاة وَقِلَّة الْقُرْآن وَالذِّكْر فِيهَا . قَالَ الْقَارِي : فَنَقَرَ مِنْ نَقْر الطَّائِر الْحَبَّة نَقْرًا أَيْ اِلْتَقَطَهَا ، وَتَخْصِيص الْأَرْبَع بِالنَّقْرِ وَفِي الْعَصْر ثَمَانِي سَجَدَات اِعْتِبَارًا بِالرَّكَعَاتِ ، وَإِنَّمَا خُصَّ الْعَصْر بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا الصَّلَاة الْوُسْطَى ، وَقِيلَ إِنَّمَا خَصَّهَا لِأَنَّهَا تَأْتِي فِي وَقْت تَعَب النَّاس مِنْ مُقَاسَاة أَعْمَالهمْ . اِنْتَهَى . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَالْحَدِيث أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ .@

الصفحة 84