كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

النِّهَايَة : أَيْ صَلُّوهَا عِنْد طُلُوع الصُّبْح ، يُقَال : أَصْبَحَ الرَّجُل إِذَا دَخَلَ فِي الصُّبْح اِنْتَهَى . قَالَ السُّيُوطِيُّ : بِهَذَا يُعْرَف أَنَّ رِوَايَة مَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ رِوَايَة بِمَعْنَاهُ ، وَأَنَّهُ دَلِيل عَلَى أَفْضَلِيَّة التَّغْلِيس بِهَا لَا عَلَى التَّأْخِير إِلَى الْإِسْفَار اِنْتَهَى . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَتَأَوَّلُوا حَدِيث رَافِع بْن خَدِيج عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْإِصْبَاحِ وَالْإِسْفَار أَنْ يُصَلِّيهَا بَعْد الْفَجْر الثَّانِي ، وَجَعَلُوا مَخْرَج الْكَلَام فِيهِ عَلَى مَذْهَب مُطَابَقَة اللَّفْظ ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون أُولَئِكَ الْقَوْم لَمَّا أُمِرُوا بِتَعْجِيلِ الصَّلَاة ، جَعَلُوا يُصَلُّونَهَا بَيْن الْفَجْر الْأَوَّل وَالْفَجْر الثَّانِي طَلَبًا لِلْأَجْرِ فِي تَعْجِيلهَا وَرَغْبَة فِي الثَّوَاب ، فَقِيلَ لَهُمْ : صَلُّوهَا بَعْد الْفَجْر الثَّانِي وَأَصْبِحُوا بِهَا إِذَا كُنْتُمْ تُرِيدُونَ الْأَجْر فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَم لِأُجُورِكُمْ . فَإِنَّ قِيلَ : وَكَيْف يَسْتَقِيم هَذَا ؟ وَمَعْلُوم أَنَّ الصَّلَاة إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جَوَاز لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَجْر . قِيلَ : أَمَّا الصَّلَاة فَلَا جَوَاز لَهَا ، وَلَكِنْ أَجْرهمْ فِيمَا نَوَوْهُ ثَابِت . كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام " إِذَا اِجْتَهَدَ الْحَاكِم فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْر " أَلَا تَرَاهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَدْ أَبْطَلَ حُكْمه وَلَمْ يُبْطِل أَجْره . وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْأَمْر بِالْإِسْفَارِ إِنَّمَا جَاءَ فِي اللَّيَالِي الْمُقْمِرَة ، وَذَلِكَ أَنَّ الصُّبْح لَا يَتَبَيَّن فِيهِ جِدًّا وَأَمَرَهُمْ فِيهَا بِزِيَادَةِ التَّبْيِين اِسْتِظْهَارًا بِالْيَقِينِ فِي الصَّلَاة اِنْتَهَى . قَالَ الطَّحَاوِيُّ . مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ أَيْ طَوِّلُوهَا بِالْقِرَاءَةِ إِلَى الْإِسْفَار وَهُوَ إِضَاءَة الصُّبْح . اِنْتَهَى . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَالْحَدِيث أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ : حَدِيث رَافِع بْن خَدِيج حَدِيث حَسَن صَحِيح .@

الصفحة 93