كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 3)
القيام والقعود وقد غلط بعضهم حيث فهم من استثناء القيام والقعود أنه استثنى القيام من الركوع والقعود بين السجدتين فإنه كان يخفضهما فلم يكونا قريبا من بقية الأركان
فإنهما ركنان قصيران
وهذا من سوء الفهم فإن سياق الحديث يبطله فإنه قد ذكر هذين الركنين بأعيانهما فكيف يذكرهما مع بقية الأركان
ويخبر عنهما بأنهما مساويان لها ثم يستثنيهما منها وهل هذا إلا بمنزلة قول القائل قام زيد وعمرو وبكر وخالد إلا زيدا وعمرا وقد ثبت تطويل هذين الركنين عن النبي صلى الله عليه و سلم في عدة أحاديث صحيحة صريحة أحدها هذا وقد استدل البراء بن عازب على إصابة أبي عبيدة في تطويله ركن الاعتدال من الركوع بقوله كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم وركوعه وإذا رفع رأسه وسجوده وما بين السجدتين قريبا من السواء
ولو كان النبي صلى الله عليه و سلم يخفف هذين الركنين لأنكر البراء صلاة أبي عبيدة ولم يرو عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يتضمن تصويبه
ومنها ما رواه مسلم في صحيحه من حديث حماد بن سلمة أخبرنا ثابت عن أنس قال ما صليت خلف أحد أوجز صلاة من رسول الله صلى الله عليه و سلم في تمام كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم متقاربة وكانت صلاة أبي بكر متقاربة فلما كان عمر مد في صلاة الفجر
وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قال سمع الله لمن حمده قام حتى نقول قد أوهم ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم
رواه مسلم بهذا اللفظ
ورواه أبو داود من حديث حماد بن سلمة أخبرنا ثابت وحميد عن أنس قال ما صليت خلف رجل أوجز صلاة من رسول الله صلى الله عليه و سلم في تمام وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قال سمع الله لمن حمده قام حتى نقول قد أوهم ثم يكبر ثم يسجد وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم فجمع أنس رضي الله عنه في هذا الحديث الصحيح بين الإخبار عن إيجاز رسول الله صلى الله عليه و سلم وإتمامها وأن من إتمامها إطالة الاعتدالين جدا كما أخبر به
وقد أخبر أنه ما رأى أوجز صلاة منها ولا أتم فيشبه والله أعلم أن يكون الإيجاز عاد إلى القيام والإتمام إلى الركوع والسجود وركني الأعتدال فهذا تصير الصلاة تامة موجزة فيصدق قوله ما رأيت أوجز منها ولا أتم ويطابق هذا حديث البراء المتقدم وأحاديث أنس