كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 3)

وقد روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال شكا أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم مشقة السجود عليهم فقال استعينوا بالركب قال ابن عجلان هو أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طاله السجود وأعيا
وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يطيل السجود بحيث يحتاج الصحابة إلى الاعتماد على ركبهم وهذا لا يكون مع قصر السجود
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه و سلم قال إني لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز فيها مخافة أن أشق على أمه وأما ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في الفجر بقاف والقرآن المجيد وكانت صلاته بعد تخفيفا فالمراد به والله أعلم أن صلاته كانت بعد الفجر تخفيفا يعني أنه كان يطيل قراءة الفجر ويخفف قراءة بقية الصلوات لوجهين أحدهما أن مسلما روى في صحيحه عن سماك بن حرب قال سألت جابر بن سمرة عن صلاة النبي صلى الله عليه و سلم فقال كان يخفف الصلاة ولا يصلي صلاة هؤلاء قال وأنبأني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في الفجر بقاف والقرآن المجيد ونحوها فجمع بين وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم بالتخفيف وأنه كان يقرأ في الفجر بقاف
الثاني أن سائر الصحابة اتفقوا على أن هذه كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم التي ما زال يصليها
ولم يذكر أحد أنه نقص في آخر أمره من الصلاة وقد أخبرت أم الفضل عن قراءته في المغرب بالمرسلات في آخر الآمر وأجمع الفقهاء أن السنة في صلاة الفجر أن يقرأ بطوال المفصل
وأما قوله ولا يصلي صلاة هؤلاء فيحتمل أمرين أحدهما أنه لم يكن يحذف كحذفهم بل يتم الصلاة والثاني أنه لم يكن يطيل القراءة إطالتهم
وفي مسند أحمد وسنن النسائي عن عبد الله بن عمر قال إن كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليأمرنا بالتخفيف وإن كان ليؤمنا بالصافات وهذا يدل على أن الذي أمر به هو الذي فعله فإنه صلى الله عليه و سلم أمر أصحابه أن يصلوا مثل صلاته ولهذا صلى على المنبر وقال إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي وقال مالك بن الحويرث وصاحبه صلوا كما
رأيتموني أصلي وذلك أنه ما من فعل في الغالب

الصفحة 110