كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 3)

إلا ويسمي خفيفا بالنسبة إلى ما هو أطول منه وطويلا بالنسبة إلى ما هو أخف منه فلا يمكن تحديد التخفيف المأمور به في الصلاة باللغة ولا بالعرف لأنه ليس له عادة في العرف كالقبض والحزر والاحياء والاصطياد حتى يرجع فيه إليه بل هو من العبادات التي يرجع في صفاتها ومقاديرها إلى الشارع كما يرجع إليه في أصلها ولو جاز الرجوع فيه إلى العرف لاختلفت الصلاة الشرعية اختلافا متباينا لا ينضبط ولكان لكل أهل عصر ومصر بل لأهل الدرب والسكة ولكك محل لكل طائفة غرض وعرف وإرادة في مقدار الصلاة يخالف عرف غيرهم وهذا يفضي إلى تغيير الشريعة وجعل السنة تابعة لأهواء الناس فلا يرجع في التخفيف المأمور به إلا إلى فعله صلى الله عليه و سلم فإنه كان يصلي وراء الضعيف والكبير وذو الحاجة وقد أمرنا بالتخفيف لأجلهم فالذي كان يفعله هو التخفيف إذ من المحال أن يأمر بأمر ويعلله بعلة ثم يفعل خلافه مع وجود تلك العلة إلا أن يكون منسوخا
وفي صحيح مسلم عن عمار بن ياسر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة وإن من البيان سحرا
فجعل طول الصلاة علامة على فقه الرجل وأمر بإطالتها وهذا الأمر إما أن يكون عاما في جميع الصلوات وإما أن يكون المراد به صلاة الجمعة فإن كان عاما فظاهر وإن كان خاصا بالجمعة مع كون الجمع فيها يكون عظيما وفيه الضعيف والكبير وذو الحاجة وتفعل في شدة الحر ويتقدمها خطبتان ومع هذا فقد أمر بإطالتها فما الظن بالفجر ونحوها التي تفعل وقت البرد والراحة مع قلة الجمع وقد روى النسائي في سننه أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ في الفجر بالروم وفي سنن أبي داود عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا دحضت الشمس صلى الظهر وقرأ بنحو من والليل إذا يغشى والعصر كذلك والصلوات كلها كذلك إلا الصبح فإنه كان يطيلها وقد روى الإمام أحمد والنسائي بإسناد على شرط مسلم عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة قال ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه و سلم من فلان قال سليمان كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر ويخفف الأخريين ويخفف العصر ويقرأ في المغرب بقصار المفصل ويقرأ في العشاء بوسط المفصل ويقرأ في الصبح بطوال المفصل وفي الصحيحين عن أبي برزة قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي

الصفحة 111