كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 3)
فهذه الأحاديث كلها تدل على معنى واحد وهو أنه كان يطيل الركوع والسجود ويخفف القيام
وهذا بخلاف ما كان يفعله بعض الأمراء الذين أنكر الصحابة صلاتهم من إطالة القيام على ما كان النبي صلى الله عليه و سلم يفعله غالبا وتخفيف الركوع والسجود والاعتدالين
ولهذا انكر ثابت عليهم تخفيف الاعتدالين وقال كان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه وحديث ابن أبي العمياء إنما فيه أن صلاة أنس كانت خفيفة وأنس فقد وصف خفة صلاة النبي صلى الله عليه و سلم وأنها أشبه شيء بصلاة عمر بن عبدالعزيز مع تطويل الركوع والسجود والاعتدالين وأحاديثه لاتتناقض والتخفيف أمر نسبي إضافي فعشر تسبيحات وعشرون آية أخف من مائة تسبيحة ومائتي آية فأي معارضة في هذا لما تقدم من الأحاديث الصحيحة الصريحة
وأما تخفيف النبي صلى الله عليه و سلم عند بكاء الصبي فلا يعارض ما ثبت عنه من صفة صلاته بل قد قال في الحديث نفسه إني أدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطليها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز
فهذا تخفيف لعارض وهو من السنة كما يخفف صلاة السفر وصلاة الخوف وكل ما ثبت عنه من التخفيف فهو لعارض كما ثبت عنه أنه قرأ في السفر في العشاء بالتين والزيتون وكذلك قراءته في الصبح بالمعوذتين فإنه كان في السفر ولذلك رفع الله تعالى الجناح عن الأمة في قصر الصلاة في السفر والخوف والقصر قصران قصر الأركان وقصر العدد فإن اجتمع السفر والخوف اجتمع القصران وإن انفرد السفر وحده شرع قصر العدد وإن انفرد الخوف وحده شرع قصر الأركان
وبهذا يعلم سر تقييد القصر المطلق في القرآن بالخوف والسفر فإن القصر المطلق الذي يتناول القصرين إنما يشرع عند الخوف والسفر
فإن انفرد أحدهما بقي مطلق القصر إما في العدد وإما
في القدر ولو قدر أنه صلى الله عليه و سلم خفف الصلاة لا لعذر كان في ذلك بيان الجواز وإن الاقتصار على ذلك للعذر ونحوه يكفي في أداء الواجب
فأما أن يكون هو السنة وغيره مكروه مع أنه فعل النبي صلى الله عليه و سلم في أغلب أوقاته فحاشى وكلا ولهذا رواته عنه أكثر من رواة التخفيف والذين رووا التخفيف رووه أيضا فلا تضرب سنن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعضها ببعض بل يستعمل كل منها في موضعه
وتخفيفه إما لبيان الجواز وتطويله لبيان الأفضل