كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 3)

{ وَسَبِّحُوهُ } وَلَا وُجُوب فِي غَيْر الصَّلَاة فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُون فِيهَا . وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْقِرَاءَة . وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِحَدِيثِ الْمُسِيء صَلَاته فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ وَاجِبَات الصَّلَاة وَلَمْ يُعَلِّمهُ هَذِهِ الْأَذْكَار مَعَ أَنَّهُ عَلَّمَهُ تَكْبِيرَات الْإِحْرَام وَالْقِرَاءَة ، فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَذْكَار وَاجِبَة لَعَلَّمَهُ إِيَّاهَا ، لِأَنَّ تَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْت الْحَاجَة لَا يَجُوز ، فَيَكُون تَرْكه لِتَعْلِيمِهِ دَالًّا عَلَى أَنَّ الْأَوَامِر الْوَارِدَة بِمَا زَادَ عَلَى مَا عَلَّمَهُ لِلِاسْتِحْبَابِ لَا لِلْوُجُوبِ . وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود يَكُون بِهَذَا اللَّفْظ فَيَكُون مُفَسِّرًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث عُقْبَة : اِجْعَلُوهَا فِي رُكُوعكُمْ اِجْعَلُوهَا فِي سُجُودكُمْ . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا .
738 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( يَقُول فِي سُجُوده وَرُكُوعه سُبُّوح قُدُّوس )
: بِضَمِّ أَوَّلهمَا وَفَتْحهمَا وَالضَّمّ أَكْثَر وَأَفْصَح . قَالَ ثَعْلَب : كُلّ اِسْم عَلَى فَعُّول فَهُوَ مَفْتُوح الْأَوَّل إِلَّا السُّبُّوح وَالْقُدُّوس فَإِنَّ الضَّمّ فِيهِمَا أَكْثَر . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : سُبُّوح مِنْ صِفَات اللَّه ، وَقَالَ اِبْن فَارِس وَالزُّبَيْدِيّ وَغَيْرهمَا : سُبُّوح هُوَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ، وَالْمُرَاد الْمُسَبَّح وَالْمُقَدَّس فَكَأَنَّهُ يَقُول مُسَبَّح مُقَدَّس . وَمَعْنَى سُبُّوح الْمُبَرَّأ مِنْ النَّقَائِص وَالشَّرِيك وَكُلّ مَا لَا يَلِيق بِالْإِلَهِيَّةِ ، وَقُدُّوس الْمُطَهَّر مِنْ كُلّ مَا لَا يَلِيق بِالْخَالِقِ ، وَهُمَا خَبَرَانِ مُبْتَدَؤُهُمَا مَحْذُوف تَقْدِيره رُكُوعِي وَسُجُودِي لِمَنْ هُوَ سُبُّوح قُدُّوس . وَقَالَ الْهَرَوِيُّ قِيلَ الْقُدُّوس الْمُبَارَك .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَقِيلَ فِيهِ سُبُّوحًا قُدُّوسًا عَلَى تَقْدِير أُسَبِّح سُبُّوحًا أَوْ أَذْكُر أَوْ أُعَظِّم أَوْ أَعْبُد
( رَبّ الْمَلَائِكَة وَالرُّوح )
: هُوَ مِنْ عَطْف الْخَاصّ عَلَى@

الصفحة 124