كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 3)

قُرْآنًا وَالْقُرْآن صَلَاة لِانْتِظَامِ أَحَدهمَا بِالْآخَرِ يَدُلّ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَاهُ ، قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام بَيْنِي وَبَيْن عَبْدِي نِصْفَيْنِ ، وَالصَّلَاة خَالِصَة لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُشْرِك فِيهَا أَحَد ، فَعُقِلَ أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْقِرَاءَة ، وَحَقِيقَة هَذِهِ الْقِسْمَة مُنْصَرِفَة إِلَى الْمَعْنَى لَا إِلَى اللَّفْظ ، وَذَلِكَ أَنَّ سُورَة الْحَمْد نِصْفهَا ثَنَاء وَنِصْفهَا مَسْأَلَة دُعَاء ، وَالثَّنَاء لِلَّهِ وَالدُّعَاء لِعَبْدِهِ ، وَلَيْسَ هَذَا اِنْقِسَام أَلْفَاظ وَحُرُوف ، وَقِسْم الثَّنَاء مِنْ جِهَة الْمَعْنَى إِلَى قَوْله تَعَالَى { إِيَّاكَ نَعْبُد } وَهُوَ تَمَام النِّصْف الْأَوَّل ، وَبَاقِي الْآيَة وَهُوَ قَوْله تَعَالَى مِنْ قِسْم الدُّعَاء وَالْمَسْأَلَة ، وَلِذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام حَاكِيًا عَنْ رَبّه وَهَذِهِ الْآيَة بَيْنِي وَبَيْن عَبْدِي ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَاد بِهِ قِسْمَة الْأَلْفَاظ وَالْحُرُوف لَكَانَ النِّصْف الْأَخِير يَزِيد عَلَى الْأَوَّل زِيَادَة بِيئَة فَيَرْتَفِع مَعْنَى التَّعْدِيل وَالتَّنْصِيف ، وَإِنَّمَا هُوَ قِسْمَة الْمَعَانِي كَمَا ذَكَرْته لَك ، وَهَذَا كَمَا يُقَال نِصْف السَّنَة إِقَامَة وَنِصْفهَا سَفَر ، يُرَاد بِهِ اِنْقِسَام السَّنَة مُدَّة السَّفَر وَمُدَّة الْإِقَامَة ، لَا عَلَى سَبِيل التَّعْدِيل وَالتَّسْوِيَة بَيْنهمَا حَتَّى يَكُونَا سَوَاء ، لَا يَزِيد أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر . وَقِيلَ لِشُرَيْحٍ : كَيْف أَصْبَحْت ؟ قَالَ : أَصْبَحْت وَنِصْف النَّاس عَلَيَّ غَضْبَان ، يُرِيد أَنَّ النَّاس بَيْن مَحْكُوم لَهُ وَمَحْكُوم عَلَيْهِ ، فَالْمَحْكُوم عَلَيْهِ غَضْبَان عَلَيَّ بِاسْتِخْرَاجِي الْحَقّ مِنْهُ ، وَإِكْرَاهِي إِيَّاهُ ، وَلِقَوْلِ الشَّاعِر : إِذَا مِتّ كَانَ النَّاس نِصْفَيْنِ شَامِت لِمَوْتِي وَمُثْنٍ بِاَلَّذِي كُنْت أَفْعَل
( فَنِصْفهَا لِي )
: وَهُوَ { الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ . الرَّحْمَن الرَّحِيم . مَالِك يَوْم الدِّين }
( وَنِصْفهَا لِعَبْدِي )
: وَهُوَ مِنْ { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } إِلَى آخِره ،
( وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ )
: أَيْ بِعَيْنِهِ إِنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى السُّؤَال وَإِلَّا فَمِثْله مِنْ رَفْع دَرَجَة وَدَفْع@

الصفحة 40