كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 3)

فَإِنَّ حَاضِرِي الْجُمُعَة ثَلَاثَة ، فَمِنْ رَجُل لَاغٍ مُؤْذٍ يَتَخَطَّى رِقَاب النَّاس فَحَظّه مِنْ الْحُضُور اللَّغْو وَالْأَذَى ، وَمِنْ ثَانٍ طَالِب حَظّه غَيْر مُؤْذٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَفَضَّل اللَّه بِكَرْمِهِ فَيُسْعِف مَطْلُوبه ، وَمِنْ ثَالِث طَالِب رِضَا اللَّه عَنْهُ مُتَحَرٍّ اِحْتِرَام الْخَلْق فَهُوَ هُوَ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ
( حَضَرَهَا يَلْغُو )
: حَال مِنْ الْفَاعِل
( وَهُوَ )
: اللَّغْو
( حَظّه )
: أَيْ حَظّ ذَلِكَ الرَّجُل
( مِنْهَا )
: أَيْ مِنْ حُضُورهَا . قَالَ اِبْن حَجَر الْمَكِّيّ أَيْ لَا حَظَّ لَهُ كَامِل لِأَنَّ اللَّغْو يَمْنَع كَمَال ثَوَاب الْجُمُعَة ، وَيَجُوز أَنْ يُرَاد بِاللَّغْوِ مَا يَشْمَل التَّخَطِّي وَالْإِيذَاء بِدَلِيلِ نَفْيه عَنْ الثَّالِث أَيْ فَذَلِكَ الْأَذَى حَظّه
( وَرَجُل حَضَرَهَا يَدْعُو )
: أَيْ مُشْتَغِلًا بِهِ حَال الْخُطْبَة حَتَّى مَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ أَصْل سَمَاعه أَوْ كَمَالِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْله فِي الثَّالِث بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوت
( إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ )
: أَيْ مُدَّعَاهُ لِسَعَةِ حِلْمه وَكَرْمه
( وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ )
: عِقَابًا عَلَى مَا أَسَاءَ بِهِ مِنْ اِشْتِغَاله بِالدُّعَاءِ عَنْ سَمَاع الْخُطْبَة فَإِنَّهُ لَا يَجُوز
( وَرَجُل حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ )
: أَيْ مُقْتَرِنًا بِسُكُوت مَعَ اِسْتِمَاع
( وَسُكُوت )
: أَيْ مُجَرَّد فَالْأَوَّل إِذَا كَانَ قَرِيبًا وَالثَّانِي إِذَا كَانَ بَعِيدًا ، وَهُوَ يُؤَيِّد قَوْل مُحَمَّد بْن أَبِي سَلَمَة وَابْن الْهُمَام مِنْ الْأَئِمَّة الْحَنَفِيَّة ، وَيَحْتَمِل أَنَّ الْإِنْصَات وَالسُّكُوت بِمَعْنًى وَجَمَعَ بَيْنهمَا لِلتَّأْكِيدِ وَمَحَلّه إِذَا سَمِعَ الْخُطْبَة ، فَفِي النِّهَايَة الْإِنْصَات أَنْ يَسْكُت سُكُوت مُسْتَمِع ، وَفِي الْقَامُوس : أَنْصَتَ سَكَتَ ، وَأَنْصَتَ لَهُ سَكَتَ لَهُ وَاسْتَمَعَ لِحَدِيثِهِ ، وَأَنْصَتَهُ أَسْكَتَهُ . اِنْتَهَى . فَيَجُوز حَمْله عَلَى الْمُتَعَدِّي بِأَنَّهُ يُسْكِت النَّاس بِالْإِشَارَةِ ، فَإِنَّ التَّأْسِيس أَوْلَى مِنْ التَّأْكِيد . قَالَ اِبْن حَجَر الْمَكِّيّ : بِإِنْصَات لِلْخَطِيبِ وَسُكُوت عَنْ اللَّغْو
( وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَة مُسْلِم )
: أَيْ لَمْ يَتَجَاوَز عَنْهَا
( وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا )
: أَيْ بِنَوْع آخَر مِنْ الْأَذَى كَالْإِقَامَةِ@

الصفحة 462