كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 3)
كَانَ يُصَلِّي ثَمَانِي رَكَعَات وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ بَاب التَّطَوُّع مِنْ قِبَل أَنْفُسهمْ مِنْ غَيْر تَوْقِيف مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعَدَد الْمَرْوِيّ عَنْهُمْ ، وَبَاب التَّطَوُّع مَفْتُوح ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ يَقَع مِنْهُمْ أَوْ مُعْظَمه قَبْل الْأَذَان وَدُخُول وَقْت الْجُمُعَة لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَكِّرُونَ وَيُصَلُّونَ حَتَّى يَخْرُج الْإِمَام .
وَجَرَتْ عَادَة النَّاس أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ بَيْن الْأَذَانَيْنِ يَوْم الْجُمُعَة مُتَنَفِّلِينَ بِرَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَع وَنَحْو ذَلِكَ إِلَى خُرُوج الْإِمَام ، وَذَلِكَ جَائِز وَمُبَاح وَلَيْسَ بِمُنْكَرٍ مِنْ جِهَة كَوْنه صَلَّاهُ ، وَإِنَّمَا الْمُنْكَر اِعْتِقَاد الْعَامَّة مِنْهُمْ وَمُعْظَم الْمُتَفَقِّه مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ سُنَّة لِلْجُمُعَةِ قَبْلهَا كَمَا يُصَلُّونَ السُّنَّة قَبْل الظُّهْر وَلَك ذَلِكَ بِمَعْزِلِ عَنْ التَّحْقِيق ، وَالْجُمُعَة لَا سُنَّة لَهَا قَبْلهَا كَالْعِشَاءِ وَالْمَغْرِب وَكَذَا الْعَصْر اِنْتَهَى كَلَامه مُلَخَّصًا .
قُلْت : حَدِيث اِبْن عُمَر الَّذِي نَشْرَحهُ قَالَ النَّوَوِيّ فِي الْخُلَاصَة صَحِيح عَلَى شَرْط الْبُخَارِيّ ، وَقَالَ الْعِرَاقِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ إِسْنَاده صَحِيح ، وَقَالَ الْحَافِظ بْن الْمُلَقِّن فِي رِسَالَته إِسْنَاده صَحِيح لَا جَرَمَ وَأَخْرَجَهُ اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه اِنْتَهَى . وَأَمَّا الْمُشَار إِلَيْهِ فِي قَوْل اِبْن عُمَر كَانَ يَفْعَل ذَلِكَ فَالظَّاهِر مَا قَالَهُ الشَّيْخ أَبُو شَامَة مِنْ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْد الْجُمُعَة فِي بَيْته . وَقَالَ : الْحَافِظ اِحْتَجَّ النَّوَوِيّ بِحَدِيثِ اِبْن عُمَر عَلَى إِثْبَات سُنَّة الْجُمُعَة الَّتِي قَبْلهَا ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْله وَكَانَ يَفْعَل ذَلِكَ عَائِد عَلَى قَوْله وَيُصَلِّي بَعْد الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْته ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ رِوَايَة اللَّيْث عَنْ نَافِع عَنْ عَبْد اللَّه " أَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى الْجُمُعَة اِنْصَرَفَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِي بَيْته ثُمَّ قَالَ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَع ذَلِكَ " أَخْرَجَهُ مُسْلِم . وَأَمَّا قَوْله " كَانَ يُطِيل الصَّلَاة قَبْل الْجُمُعَة " فَإِنْ كَانَ الْمُرَاد بَعْد دُخُول الْوَقْت فَلَا يَصِحّ أَنْ يَكُون مَرْفُوعًا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُج إِذَا زَالَتْ الشَّمْس فَيَشْتَغِل بِالْخُطْبَةِ ثُمَّ بِصَلَاةِ الْجُمُعَة ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَاد قَبْل دُخُول الْوَقْت فَذَلِكَ مُطْلَق نَافِلَة لَا صَلَاة رَاتِبَة فَلَا حُجَّة فِيهِ لِسُنَّةِ الْجُمُعَة الَّتِي قَبْلهَا بَلْ هُوَ تَنَفُّل مُطْلَق وَقَدْ وَرَدَ التَّرْغِيب فِيهِ وَوَرَدَ فِي سُنَّة الْجُمُعَة الَّتِي قَبْلهَا أَحَادِيث أُخْرَى ضَعِيفَة اِنْتَهَى . وَيُؤَيِّد قَوْل الْحَافِظ مَا أَخْرَجَهُ الْإِمَام أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة فِي الْمُصَنَّف حَدَّثَنَا @
الصفحة 478
502