كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 3)

959 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة )
: أَيْ مِنْ مَكَّة بَعْد الْهِجْرَة ،
( وَلَهُمْ )
: أَيْ لِأَهْلِ الْمَدِينَة
( يَوْمَانِ )
: وَهُمَا يَوْم النَّيْرُوز وَيَوْم الْمِهْرَجَان ، كَذَا قَالَهُ الشُّرَّاح . وَفِي الْقَامُوس النَّيْرُوز أَوَّل يَوْم السَّنَة مُعَرَّب نَوْرُوز ، وَالنَّوْرُوز مَشْهُور وَهُوَ أَوَّل يَوْم تَتَحَوَّل الشَّمْس فِيهِ إِلَى بُرْج الْحَمَل ، وَهُوَ أَوَّل السَّنَة الشَّمْسِيَّة ، كَمَا أَنَّ غُرَّة شَهْر الْمُحَرَّم أَوَّل السَّنَة الْقَمَرِيَّة . وَأَمَّا مِهْرَجَان فَالظَّاهِر بِحُكْمِ مُقَابِلَته بِالنَّيْرُوزِ أَنْ يَكُون أَوَّل يَوْم الْمِيزَان ، وَهُمَا يَوْمَانِ مُعْتَدِلَانِ فِي الْهَوَاء لَا حَرّ وَلَا بَرْد وَيَسْتَوِي فِيهِمَا اللَّيْل وَالنَّهَار فَكَأَنَّ الْحُكَمَاء الْمُتَقَدِّمِينَ الْمُتَعَلِّقِينَ بِالْهَيْئَةِ اِخْتَارُوهُمَا لِلْعِيدِ فِي أَيَّامهمْ وَقَلَّدَهُمْ أَهْل زَمَانهمْ لِاعْتِقَادِهِمْ بِكَمَالِ عُقُول حُكَمَائِهِمْ ، فَجَاءَ الْأَنْبِيَاء وَأَبْطَلُوا مَا بَنَى عَلَيْهِ الْحُكَمَاء
( فِي الْجَاهِلِيَّة )
: أَيْ فِي زَمَن الْجَاهِلِيَّة قَبْل أَيَّام الْإِسْلَام
( أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا )
: الْبَاء هُنَا دَاخِلَة عَلَى الْمَتْرُوك وَهُوَ الْأَفْصَح أَيْ جَعَلَ لَكُمْ بَدَلًا عَنْهُمَا خَيْرًا
( مِنْهُمَا )
: أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى وَخَيْرًا لَيْسَتْ أَفْعَل تَفْضِيل إِذْ لَا خَيْرِيَّة فِي يَوْمَيْهِمَا
( يَوْم الْأَضْحَى وَيَوْم الْفِطْر )
: بَدَل مِنْ خَيْرًا أَوْ بَيَان لَهُ ، وَقَدَّمَ الْأَضْحَى فَإِنَّهُ الْعِيد الْأَكْبَر قَالَهُ الطِّيبِيُّ ، وَنَهَى عَنْ اللَّعِب وَالسُّرُور فِيهِمَا أَيْ فِي النَّيْرُوز وَالْمِهْرَجَان . وَفِيهِ نِهَايَة مِنْ اللُّطْف ، وَأَمَرَ بِالْعِبَادَةِ لِأَنَّ السُّرُور الْحَقِيقِيّ فِيهَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا } قَالَ الْمُظْهِر : فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ تَعْظِيم النَّيْرُوز وَالْمِهْرَجَان وَغَيْرهمَا أَيْ مِنْ أَعْيَاد الْكُفَّار مَنْهِيّ عَنْهُ . قَالَ أَبُو حَفْص الْكَبِير الْحَنَفِيّ : مَنْ أَهْدَى فِي النَّيْرُوز بَيْضَة إِلَى مُشْرِك تَعْظِيمًا لِلْيَوْمِ فَقَدْ كَفَرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَحْبَطَ أَعْمَاله @

الصفحة 485