كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 3)

قَالَ الطِّيبِيُّ وَقَوْله فِينَا يَحْتَمِل اِحْتِمَالَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّ كُلّهمْ مُنْحَصِرُونَ فِي هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ . وَثَانِيهمَا : أَنَّ فِينَا مَعْشَر الْعَرَب أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فِيمَا بَيْننَا تَانِك الطَّائِفَتَانِ ، وَهَذَا الْوَجْه أَظْهَر ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَرَّقَ بَيْن الْأَعْرَابِيّ وَالْعَرَبِيّ بِمِثْلِ مَا فِي خُطْبَته مُهَاجِر لَيْسَ بِأَعْرَابِيٍّ حَيْثُ جَعَلَ الْمُهَاجِر ضِدّ الْأَعْرَابِيّ ، وَالْأَعْرَاب سَاكِنُو الْبَادِيَة مِنْ الْعَرَب الَّذِينَ لَا يُقِيمُونَ فِي الْأَمْصَار وَلَا يَدْخُلُونَهَا إِلَّا لِحَاجَةٍ ، وَالْعَرَب اِسْم لِهَذَا الصِّنْف الْمَعْرُوف مِنْ النَّاس وَلَا وَاحِد لَهُ مِنْ لَفْظه سَوَاء أَقَامَ بِالْبَادِيَةِ أَوْ الْمُدُن اِنْتَهَى . وَحَاصِله أَنَّ الْعَرَب أَعَمّ مِنْ الْأَعْرَاب وَهُمْ أَخَصّ ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { الْأَعْرَاب أَشَدّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَر أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُود مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى رَسُوله } .
( فَقَالَ اِقْرَءُوا )
: أَيْ كُلّكُمْ
( فَكُلّ حَسَن )
: أَيْ فَكُلّ وَاحِدَة مِنْ قِرَاءَتكُمْ حَسَنَة مَرْجُوَّة لِلثَّوَابِ إِذَا آثَرْتُمْ الْآجِلَة عَلَى الْعَاجِلَة ، وَلَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تُقِيمُوا أَلْسِنَتكُمْ إِقَامَة الْقِدْح وَهُوَ السَّهْم قَبْل أَنْ يُرَاشَ
( وَسَيَجِيءُ أَقْوَام يُقِيمُونَهُ )
: أَيْ يُصْلِحُونَ أَلْفَاظه وَكَلِمَاته وَيَتَكَلَّفُونَ فِي مُرَاعَاة مَخَارِجه وَصِفَاته
( كَمَا يُقَام الْقِدْح )
: أَيْ يُبَالِغُونَ فِي عَمَل الْقِرَاءَة كَمَال الْمُبَالَغَة لِأَجْلِ الرِّيَاء وَالسُّمْعَة وَالْمُبَاهَاة وَالشُّهْرَة . قَالَ الطِّيبِيُّ : وَفِي الْحَدِيث رَفْع الْحَرَج وَبِنَاء الْأَمْر عَلَى الْمُسَاهَلَة فِي الظَّاهِر ، وَتَحَرِّي الْحِسْبَة وَالْإِخْلَاص فِي الْعَمَل ، وَالتَّفَكُّر فِي مَعَانِي الْقُرْآن ، وَالْغَوْص فِي عَجَائِب أَمْره
( يَتَعَجَّلُونَهُ )
: أَيْ ثَوَابه فِي الدُّنْيَا
( وَلَا يَتَأَجَّلُونَهُ )
: بِطَلَبِ الْأَجْر فِي الْعُقْبَى ، بَلْ يُؤْثِرُونَ الْعَاجِلَة عَلَى الْآجِلَة ، وَيَتَأَكَّلُونَ وَلَا يَتَوَكَّلُونَ .
707 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( عَنْ وَفَاء )
: بِفَاءٍ مَمْدُودَة : اِبْن شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيّ الْمِصْرِيّ مَقْبُول مِنْ الثَّالِثَة@

الصفحة 59