كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 3)

الضَّلَالَة قَالَ تَعَالَى { مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ } أَيْ بِمُضِلِّينَ اِنْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظ : وَمَعْنَى الْفِتْنَة هَاهُنَا أَنَّ التَّطْوِيل يَكُون سَبَبًا لِخُرُوجِهِمْ مِنْ الصَّلَاة وَلِلتَّكَرُّهِ لِلصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَة . وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَب بِإِسْنَادٍ صَحِيح أَنَّ عُمَر قَالَ : " لَا تُبَغِّضُوا إِلَى اللَّه عِبَاده يَكُون أَحَدكُمْ إِمَامًا فَيُطَوِّل عَلَى الْقَوْم الصَّلَاة حَتَّى يُبَغِّض إِلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ " وَقَالَ الدَّاوُدِيّ : يَحْتَمِل أَنْ يُرِيد بِقَوْلِهِ فَتَّان أَيْ مُعَذِّب لِأَنَّهُ عَذَّبَهُمْ بِالتَّطْوِيلِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ } : قِيلَ مَعْنَاهُ عَذَّبُوهُمْ اِنْتَهَى .
( قَالَ أَبُو الزُّبَيْر سَبِّحْ اِسْم رَبّك الْأَعْلَى وَاللَّيْل إِذَا يَغْشَى فَذَكَرْنَا لِعَمْرٍو )
: أَيْ اِبْن دِينَار
( أُرَاهُ )
: بِضَمِّ الْهَمْزَة مَعْنَاهُ أَظُنّهُ . وَفِي رِوَايَة مُسْلِم قَالَ سُفْيَان فَقُلْت لِعَمْرٍو إِنَّ أَبَا الزُّبَيْر حَدَّثَنَا عَنْ جَابِر أَنَّهُ قَالَ اِقْرَأْ وَالشَّمْس وَضُحَاهَا ، وَاللَّيْل إِذَا يَغْشَى ، وَسَبِّحْ اِسْم رَبّك الْأَعْلَى . فَقَالَ عَمْرو نَحْو هَذَا . وَفِي رِوَايَة اللَّيْث عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عِنْد مُسْلِم مَعَ الثَّلَاثَة { اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبّك } : زَادَ اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْر وَالضُّحَى أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق . وَفِي رِوَايَة الْحُمَيْدِيّ عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ مَعَ الثَّلَاثَة الْأُوَل { وَالسَّمَاء ذَات الْبُرُوج ، وَالسَّمَاء وَالطَّارِق } : قَالَهُ الْحَافِظ . وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى صِحَّة اِقْتِدَاء الْمُفْتَرِض بِالْمُتَنَفِّلِ بِنَاء عَلَى أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَنْوِي بِالْأُولَى الْفَرْض وَبِالثَّانِيَةِ النَّفْل ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق وَالشَّافِعِيّ وَالطَّحَاوِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرهمْ مِنْ طَرِيق اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ جَابِر فِي حَدِيث الْبَاب زَادَ " هِيَ لَهُ تَطَوُّع وَلَهُمْ فَرِيضَة " وَهُوَ حَدِيث صَحِيح . وَقَدْ صَرَّحَ اِبْن جُرَيْجٍ فِي رِوَايَة عَبْد الرَّزَّاق بِسَمَاعِهِ فِيهِ فَانْتَفَتْ تُهْمَة تَدْلِيسه . فَقَوْل اِبْن الْجَوْزِيّ إِنَّهُ لَا يَصِحّ مَرْدُود ، وَتَعْلِيل الطَّحَاوِيّ لَهُ بِأَنَّ اِبْن عُيَيْنَةَ سَاقَهُ عَنْ عُمَر وَأَتَمَّ مِنْ سِيَاق اِبْن جُرَيْجٍ وَلَمْ يَذْكُر هَذِهِ الزِّيَادَة لَيْسَ بِقَادِحٍ فِي صِحَّته لِأَنَّ اِبْن جُرَيْجٍ أَسَنّ وَأَجَلّ مِنْ اِبْن عُيَيْنَةَ وَأَقْدَم أَخْذًا عَنْ عَمْرو مِنْهُ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهِيَ زِيَادَة مِنْ ثِقَة حَافِظ لَيْسَتْ مُنَافِيَة لِرِوَايَةِ مَنْ هُوَ أَحْفَظ مِنْهُ وَلَا أَكْثَر عَدَدًا فَلَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ فِي الْحُكْم بِصِحَّتِهَا . وَأَمَّا رَدّ الطَّحَاوِيّ لَهَا @

الصفحة 6