كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 3)

بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُون مُدْرَجَة فَجَوَابه أَنَّ الْأَصْل عَدَم الْإِدْرَاج حَتَّى يَثْبُت التَّفْصِيل فَمَهْمَا كَانَ مَضْمُومًا إِلَى الْحَدِيث فَهُوَ مِنْهُ وَلَا سِيَّمَا إِذَا رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَالْأَمْر هُنَا كَذَلِكَ ، فَإِنَّ الشَّافِعِيّ أَخْرَجَهَا مِنْ وَجْه آخَر عَنْ جَابِر مُتَابِعًا لِعَمْرِو بْن دِينَار عَنْهُ ، وَقَوْل الطَّحَاوِيّ هُوَ ظَنّ مِنْ جَابِر مَرْدُود لِأَنَّ جَابِرًا كَانَ مِمَّنْ يُصَلِّي مَعَ مُعَاذ فَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ ، وَلَا يُظَنّ بِجَابِرٍ أَنَّهُ يُخْبِر عَنْ شَخْص بِأَمْرٍ غَيْر مُشَاهَد إِلَّا بِأَنْ يَكُون ذَلِكَ الشَّخْص أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ . وَأَمَّا اِحْتِجَاج أَصْحَابنَا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة " فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ حَاصِله النَّهْي عَنْ التَّلَبُّس بِصَلَاةٍ غَيْر الَّتِي أُقِيمَتْ مِنْ غَيْر تَعَرُّض لِنِيَّةِ فَرْض أَوْ نَفْل ، وَلَوْ تَعَيَّنَتْ نِيَّة الْفَرِيضَة لَامْتَنَعَ عَلَى مُعَاذ أَنْ يُصَلِّي الثَّانِيَة بِقَوْمِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حِينَئِذٍ فَرْضًا لَهُ . وَكَذَلِكَ قَوْل بَعْض أَصْحَابنَا لَا يُظَنّ بِمَعَاذٍ أَنْ يَتْرُك فَضِيلَة الْفَرْض خَلْف أَفْضَل الْأَئِمَّة فِي الْمَسْجِد الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْضَل الْمَسَاجِد فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْع تَرْجِيح لَكِنْ لِلْمُخَالِفِ أَنْ يَقُول إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمْتَنِع أَنْ يَحْصُل لَهُ الْفَضْل بِالِاتِّبَاعِ . وَكَذَلِكَ قَوْل الْخَطَّابِيّ إِنَّ الْعِشَاء فِي قَوْله كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاء حَقِيقَة فِي الْمَفْرُوضَة فَلَا يُقَال كَانَ يَنْوِي بِهَا التَّطَوُّع لِأَنَّ لِمُخَالِفِهِ أَنْ يَقُول هَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَنْوِي بِهَا التَّنَفُّل .
وَأَمَّا قَوْل اِبْن حَزْم إِنَّ الْمُخَالِفِينَ لَا يُجِيزُونَ لِمَنْ عَلَيْهِ فَرْض إِذَا أُقِيمَ أَنْ يُصَلِّيه مُتَطَوِّعًا فَكَيْفَ يَنْسُبُونَ إِلَى مُعَاذ مَا لَا يَجُوز عِنْدهمْ فَهَذَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ نَقْض قَوِيّ ، وَأَسْلَم الْأَجْوِبَة التَّمَسُّك بِالزِّيَادَةِ الْمُتَقَدِّمَة كَذَا فِي فَتْح الْبَارِي .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ .@

الصفحة 7