كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 3)

اِعْلَمْ أَنَّ الْإِقْعَاء وَرَدَ فِيهِ حَدِيثَانِ : فَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ سُنَّة ، وَفِي حَدِيث آخَر النَّهْي عَنْهُ . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيْره مِنْ رِوَايَة عَلِيّ ، وَابْن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَة أَنَس وَأَحْمَد بْن حَنْبَل رَحِمَهُمَا اللَّه تَعَالَى مِنْ رِوَايَة سَمُرَة وَأَبِي هُرَيْرَة ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَة سَمُرَة وَأَنَس ، وَأَسَانِيدهَا كُلّهَا ضَعِيفَة .
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي حُكْم الْإِقْعَاء وَفِي تَفْسِيره اِخْتِلَافًا كَثِيرًا لِهَذِهِ الْأَحَادِيث ، وَالصَّوَاب الَّذِي لَا مَعْدِل عَنْهُ أَنَّ الْإِقْعَاء نَوْعَانِ :
أَحَدهمَا أَنْ يُلْصِق إلْيَتَيْهِ بِالْأَرْضِ وَيَنْصِب سَاقَيْهِ وَيَضَع يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْض كَإِقْعَاءِ الْكَلْب ، هَكَذَا فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى وَصَاحِبه أَبُو عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَام وَآخَرُونَ مِنْ أَهْل اللُّغَة وَهَذَا النَّوْع هُوَ الْمَكْرُوه الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّهْي . وَالنَّوْع الثَّانِي أَنْ يَحْمِل إلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْن السَّجْدَتَيْنِ ، وَهَذَا هُوَ مُرَاد اِبْن عَبَّاس بِقَوْلِهِ سُنَّة نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه فِي الْبُوَيْطِيّ وَالْإِمْلَاء عَلَى اِسْتِحْبَابه فِي الْجُلُوس بَيْن السَّجْدَتَيْنِ ، وَحَمَلَ حَدِيث اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا عَلَيْهِ جَمَاعَة مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاض وَآخَرُونَ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى .
قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ رَوَى عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالسَّلَف أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ قَالَ وَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : مِنْ السُّنَّة أَنْ تُمِسّ عَقِبَيْك إلْيَتَيْك . فَهَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي تَفْسِير حَدِيث اِبْن عَبَّاس . وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه نَصَّ عَلَى اِسْتِحْبَابه بَيْن السَّجْدَتَيْنِ ، وَلَهُ نَصّ آخَر وَهُوَ الْأَشْهَر أَنَّ السُّنَّة فِيهِ الِافْتِرَاش ، وَحَاصِله أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ وَأَيّهمَا أَفْضَل فِيهِ قَوْلَانِ وَأَمَّا جِلْسَة التَّشَهُّد الْأَوَّل وَجِلْسَة الِاسْتِرَاحَة فَسُنَّتهمَا الِافْتِرَاش وَجِلْسَة التَّشَهُّد الْأَخِير السُّنَّة فِيهِ التَّوَرُّك . هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه . كَذَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرْح صَحِيح مُسْلِم .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ .@

الصفحة 80