كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 4)

عِيَاض تِلْكَ الْمَوَاطِن وَأَطَالَ الْكَلَام فِيهِ . كَذَا فِي عُمْدَة الْقَارِي مُخْتَصَرًا . وَفِي التَّخْلِيص : رُوِيَتْ صَلَاة الْخَوْف عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعَة عَشَر نَوْعًا ذَكَرَهَا اِبْن حَزْم فِي جُزْء مُفْرَد وَبَعْضهَا فِي صَحِيح مُسْلِم وَمُعْظَمهَا فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ . وَذَكَرَ الْحَاكِم مِنْهَا ثَمَانِيَة أَنْوَاع وَابْن حِبَّان تِسْعَة أَنْوَاع وَقَالَ لَيْسَ بَيْنهَا تَضَادَّ وَلَكِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاة الْخَوْف مِرَارًا وَالْمَرْء مُبَاح لَهُ أَنْ يُصَلِّي مَا شَاءَ عِنْد الْخَوْف مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاع وَهِيَ مِنْ الِاخْتِلَاف الْمُبَاح . وَنَقَلَ اِبْن الْجَوْزِيّ عَنْ أَحْمَد أَنَّهُ قَالَ مَا أَعْلَم فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثًا إِلَّا صَحِيحًا اِنْتَهَى . هَذَا كُلّه مُلَخَّصًا عَنْ غَايَة الْمَقْصُود .
تَعْلِيقُ الْحَافِظِ ابْنِ الْقَيِّمِ :
قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه :
وَحَدِيث أَبِي بَكْرَة هَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ ، فَقَالَ فِيهِ : " إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالْقَوْمِ صَلَاة الْمَغْرِب ثَلَاث رَكَعَات ، ثُمَّ اِنْصَرَفَ وَجَاءَ الْآخَرُونَ ، فَصَلَّى بِهِمْ ثَلَاث رَكَعَات ، وَكَانَ لَهُ سِتّ رَكَعَات ، وَلِلْقَوْمِ ثَلَاث رَكَعَات " قَالَ اِبْن الْقَطَّانِ : وَعِنْدِي أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ غَيْر مُتَّصِلَيْنِ ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرَة لَمْ يُصَلِّ مَعَهُ صَلَاة الْخَوْف ، لِأَنَّهُ بِلَا رَيْب أَسْلَمَ فِي حِصَار الطَّائِف ، فَتَدَلَّى بِبَكْرَةِ مِنْ الْحِصْن ، فَسُمِّيَ أَبَا بَكْرَة ، وَهَذَا كَانَ بَعْد فَرَاغه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَوَازِن ثُمَّ لَمْ يَلْقَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْدًا إِلَى أَنْ قَبَضَهُ اللَّه .
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَا رَيْب فِيهِ ، لَكِنَّ مِثْل هَذَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ وَلَا اِنْقِطَاع عِنْد جَمِيع أَئِمَّة الْحَدِيث وَالْفِقْه فَإِنَّ أَبَا بَكْرَة إِنْ لَمْ يَشْهَد الْقِصَّة فَإِنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ صَحَابِيّ غَيْره ، وَقَدْ اِتَّفَقَتْ الْأُمَّة عَلَى قَبُول رِوَايَة اِبْن عَبَّاس وَنُظَرَائِهِ مِنْ الصَّحَابَة ، مَعَ أَنَّ عَامَّتهَا مُرْسَلَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يُنَازِع فِي ذَلِكَ اِثْنَانِ مِنْ السَّلَف وَأَهْل الْحَدِيث وَالْفُقَهَاء . فَالتَّعْلِيل عَلَى هَذَا بَاطِل ، وَاَللَّه أَعْلَم .
1058 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( عَنْ اِبْن عَبْد اللَّه بْن أُنَيْس )
: قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : هَذَا هُوَ عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أُنَيْس جَاءَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا مِنْ رِوَايَة مُحَمَّد بْن سَلَمَة الْحَرَّانِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق اِنْتَهَى . وَالْحَدِيث سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيّ وَحُسْن إِسْنَاده الْحَافِظ فِي الْفَتْح وَالْحَدِيث اِسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَاز الصَّلَاة عِنْد شِدَّة الْخَوْف بِالْإِيمَاءِ ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال صَحِيح لَا شَكّ فِيهِ ؛ لِأنَّ عَبْد اللَّه بْن أُنَيْس فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَيَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ زَمَان نُزُول الْوَحْي ، وَمُحَال أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَطَّلِع عَلَيْهِ ، وَفِعْل الصَّحَابِيّ أَيْضًا حُجَّة مَا لَمْ يُعَارِضهُ حَدِيث مَرْفُوع . كَذَا فِي الْغَايَة . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : كُلّ مَنْ أَحْفَظ عَنْهُ الْعِلْم يَقُول إِنَّ الْمَطْلُوب@

الصفحة 129