كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 4)

1242 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآن وَهُوَ مَاهِر بِهِ )
الْمَاهِر مِنْ الْمَهَارَة وَهِيَ الْحِذْق ، جَازَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جَوْدَةَ الْحِفْظ أَوْ جَوْدَة اللَّفْظ وَأَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُمَا وَأَنْ يُرِيدَ بِهِ كِلَاهُمَا
( مَعَ السَّفَرَة الْكِرَام الْبَرَرَة )
قَالَ النَّوَوِيّ : السَّفَرَةُ جَمْعُ سَافِر كَكَاتِبٍ وَكَتَبَة وَالسَّافِر الرَّسُولُ وَالسَّفَرَة الرُّسُلُ لِأَنَّهُمْ يُسْفِرُونَ إِلَى النَّاس بِرِسَالَاتِ اللَّه ، وَقِيلَ السَّفَرَة الْكَتَبَة وَالْبَرَرَة الْمُطِيعُونَ مِنْ الْبِرّ وَهُوَ الطَّاعَةُ ، وَالْمَاهِرُ الْحَاذِقُ الْكَامِل الْحِفْظ الَّذِي لَا يَتَوَقَّفُ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِرَاءَة لِجَوْدَةِ حِفْظه وَإِتْقَانه . قَالَ الْقَاضِي : يُحْتَمَل أَنَّ مَعْنَى كَوْنه مَعَ الْمَلَائِكَة أَنَّ لَهُ فِي الْآخِرَة مَنَازِل يَكُونُ فِيهَا رَفِيقًا لِلْمَلَائِكَةِ السَّفَرَة لِاتِّصَافِهِ بِصِفَتِهِمْ مِنْ حَمْل كِتَاب اللَّه تَعَالَى . قَالَ وَيُحْتَمَل أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ عَامِلٌ بِعَمَلِهِمْ وَسَالِك مَسْلَكهمْ
( وَاَلَّذِي يَقْرَؤُهُ وَهُوَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ فَلَهُ أَجْرَانِ )
: فَهُوَ الَّذِي يَتَرَدَّدُ فِي تِلَاوَتِهِ لِضَعْفِ حِفْظِهِ فَلَهُ أَجْرَانِ أَجْر بِالْقِرَاءَةِ وَأَجْر لِتَشَدُّدِهِ وَتَرَدُّده . فِي تِلَاوَته .
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاء وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي يَتَتَعْتَعُ عَلَيْهِ لَهُ مِنْ الْأَجْر أَكْثَر مِنْ الْمَاهِر بِهِ ، بَلْ الْمَاهِرُ أَفْضَلُ . أَكْثَر أَجْرًا لِأَنَّهُ مَعَ السَّفَرَة وَلَهُ أُجُورٌ كَثِيرَةٌ ، وَلَمْ يَذْكُر هَذِهِ الْمَنْزِلَة لِغَيْرِهِ ، وَكَيْف يَلْحَقُ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْتَنِ بِكِتَابِ اللَّه تَعَالَى وَحِفْظه وَإِتْقَانه وَكَثْرَة تِلَاوَته وَدِرَايَته كَاعْتِنَائِهِ حَتَّى مَهَرَ فِيهِ . اِنْتَهَى . وَالْحَاصِل أَنَّ الْمُضَاعَفَة لِلْمَاهِرِ لَا تُحْصَى فَإِنَّ الْحَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْع مِائَة ضِعْف وَأَكْثَر ، وَالْأَجْرُ شَيْء مُقَدَّرٌ ، وَهَذَا لَهُ أَجْرَانِ مِنْ تِلْكَ الْمُضَاعَفَات وَاَللَّه أَعْلَم
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ .@

الصفحة 327