كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 4)

مُنْتَهَى الْقِرَاءَة اِنْتَهَى .
وَقَالَ الطِّيبِيُّ : إِنَّ التَّرَقِّي يَكُونُ دَائِمًا فَكَمَا أَنَّ قِرَاءَتَهُ فِي حَال الِاخْتِتَامِ اِسْتَدْعَتْ الِافْتِتَاح الَّذِي لَا اِنْقِطَاع لَهُ كَذَلِكَ هَذِهِ الْقِرَاءَة وَالتَّرَقِّي فِي الْمَنَازِل الَّتِي لَا تَتَنَاهَى ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَة لَهُمْ كَالتَّسْبِيحِ لِلْمَلَائِكَةِ لَا تَشْغَلُهُمْ مِنْ مُسْتَلَذَّاتهمْ بَلْ هِيَ أَعْظَمُهَا اِنْتَهَى .
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاء : إِنَّ مَنْ عَمِلَ بِالْقُرْآنِ فَكَأَنَّهُ يَقْرَؤُهُ دَائِمًا وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهُ ، وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِالْقُرْآنِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْهُ وَإِنْ قَرَأَهُ دَائِمًا ، وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } فَمُجَرَّدُ التِّلَاوَة وَالْحِفْظ لَا يُعْتَبَرُ اِعْتِبَارًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمَرَاتِب الْعَلِيَّة فِي الْجَنَّةِ الْعَالِيَةِ . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
1253 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( كَانَ يَمُدُّ مَدًّا )
: الْمُرَاد أَنَّهُ كَانَ يَمُدُّ مَا كَانَ فِي كَلَامه مِنْ حُرُوف الْمَدِّ وَاللِّين بِالْقَدْرِ الْمَعْرُوف وَبِالشَّرْطِ الْمَعْلُومِ عِنْدَ أَرْبَابِ الْوُقُوفِ . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيِّ " سُئِلَ أَنَسٌ كَيْفَ كَانَ قِرَاءَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كَانَتْ مَدًّا ثُمَّ قَرَأَ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم يَمُدُّ بِبِسْمِ اللَّهِ وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ " وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمُدُّ قِرَاءَته فِي الْبَسْمَلَة وَغَيْرهَا ، وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِاسْتِحْبَابِ الْجَهْرِ بِقِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاة ، لِأَنَّ كَوْنَ قِرَاءَتِهِ كَانَتْ عَلَى الصِّفَة الَّتِي وَصَفَهَا أَنَسٌ تَسْتَلْزِمُ سَمَاع أَنَسٍ لَهَا مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا سُمِعَ مَجْهُور بِهِ ، وَلَمْ يَقْصِرْ أَنَسٌ هَذِهِ الصِّفَةَ عَلَى الْقِرَاءَة الْوَاقِعَةِ مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجَ الصَّلَاة فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ مُطْلَقِ قِرَاءَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ .@

الصفحة 339