كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 4)

وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : إِنَّ الْمُرَاد سَبْعَة أَوْجُه مِنْ الْمَعَانِي الْمُتَّفِقَة بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَة نَحْو أَقْبِلْ وَتَعَالَ وَعَجِّلْ وَهَلُمَّ وَأَسْرِعْ فَيَجُوزُ إِبْدَال اللَّفْظ بِمُرَادِفِهِ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ لَا بِضِدِّهِ ، وَحَدِيث أَحْمَد بِإِسْنَادٍ جَيِّد صَرِيح فِيهِ ، وَعِنْده بِإِسْنَادٍ جَيِّد أَيْضًا مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة : " أُنْزِلَ الْقُرْآن عَلَى سَبْعَة أَحْرُف عَلِيمًا حَكِيمًا غَفُورًا رَحِيمًا " وَفِي حَدِيث عِنْده بِسَنَدٍ جَيِّد أَيْضًا : " الْقُرْآن كُلّه صَوَاب مَا لَمْ يَجْعَلْ مَغْفِرَةً عَذَابًا أَوْ عَذَابًا مَغْفِرَةً " وَلِهَذَا كَانَ أُبَيٌّ يَقْرَأُ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ سَعَوْا فِيهِ بَدَل مَشَوْا فِيهِ ، وَابْن مَسْعُود أَمْهِلُونَا أَخِّرُونَا بَدَل أَنْظِرُونَا .
قَالَ الْقَارِيّ : إِنَّهُ مُسْتَبْعَدٌ جِدًّا مِنْ الصَّحَابَة خُصُوصًا مِنْ أُبَيٍّ وَابْن مَسْعُود أَنَّهُمَا يُبَدِّلَانِ لَفْظًا مِنْ عِنْدهمَا بَدَلًا مِمَّا سَمِعَاهُ مِنْ لَفْظ النُّبُوَّةِ وَأَقَامَاهُ مَقَامَهُ مِنْ التِّلَاوَة ، فَالصَّوَابُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ مِنْهُمَا أَوْ سَمِعَا مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوُجُوهَ فَقَرَأَ مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا كَمَا هُوَ الْآن فِي الْقُرْآن مِنْ الِاخْتِلَافَات الْمُتَنَوِّعَة الْمَعْرُوفَة عِنْد أَرْبَاب الشَّأْن ، وَكَذَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ . وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ رُخْصَةً لِمَا كَانَ يَتَعَسَّرُ عَلَى كَثِير مِنْهُمْ التِّلَاوَة بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالْكِتَابَةِ وَالضَّبْط ، وَإِتْقَان الْحِفْظ ثُمَّ نُسِخَ بِزَوَالِ الْعُذْر وَتَيْسِير الْكِتَابَة وَالْحِفْظ قَالَهُ فِي الْمِرْقَاة .
وَقَالَ الْحَافِظ الْإِمَام الْخَطَّابِيُّ : قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى الْحُرُوف اللُّغَات يُرِيدُ أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَى سَبْع لُغَات مِنْ لُغَات الْعَرَب هِيَ أَفْصَح اللُّغَات وَأَعْلَاهَا فِي كَلَامِهِمْ . قَالُوا وَهَذِهِ اللُّغَاتُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْقُرْآن غَيْر مُجْتَمِعَة فِي الْكَلِمَة الْوَاحِدَة ، وَإِلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا أَشَارَ أَبُو عُبَيْد ، وَقَالَ الْقُتَيْبِيّ : لَا نَعْرِفُ فِي الْقُرْآنِ حَرْفًا يُقْرَأُ عَلَى سَبْعَة أَحْرُف .
قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : هَذَا غَلَطٌ ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآن حُرُوف يَصِحُّ أَنْ تُقْرَأ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُف مِنْهَا قَوْله تَعَالَى : { وَعَبَدَ الطَّاغُوت } وَقَوْله تَعَالَى : { أَرْسِلْهُ @

الصفحة 348