كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 4)

الزَّكَاة فَيَجْمَعُونَهَا حَتَّى لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ إِلَّا شَاة وَاحِدَة أَوْ يَكُونَ لِلْخَلِيطَيْنِ مِائَتَا شَاة وَشَاة فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا ثَلَاث شِيَاه فَيُفَرِّقُونَهَا حَتَّى لَا يَكُونَ عَلَى كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا شَاة وَاحِدَة . قَالَ الشَّافِعِيّ : هُوَ خِطَاب لِلْمَالِكِ مِنْ جِهَةٍ وَلِلسَّاعِي مِنْ جِهَة ، فَأَمَرَ كُلّ وَاحِد أَنْ لَا يُحْدِثَ شَيْئًا مِنْ الْجَمْع وَالتَّفْرِيق خَشْيَة الصَّدَقَة فَرَبُّ الْمَال يَخْشَى أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَة فَيَجْمَعُ أَوْ يُفَرِّقُ لِتَقِلَّ ، وَالسَّاعِي يَخْشَى أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَة فَيَجْمَعُ أَوْ يُفَرِّقُ لِتَكْثُرَ . فَمَعْنَى قَوْله خَشْيَة الصَّدَقَة أَيْ خَشْيَة أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَة أَوْ خَشْيَة أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَة ، فَلَمَّا كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْأَمْرَيْنِ لَمْ يَكُنْ الْحَمْل عَلَى أَحَدهمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَر فَحَمَلَ عَلَيْهِمَا مَعًا ، لَكِنْ الْأَظْهَرُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَالِك . ذَكَرَهُ فِي فَتْح الْبَارِي
( وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ )
: أَيْ شَرِيكَيْنِ
( فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنهمَا بِالسَّوِيَّةِ )
: قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِي الْإِبِل يَجِبُ فِيهَا الْغَنَم فَتُوجَدُ الْإِبِل فِي أَيْدِي أَحَدهمَا فَتُؤْخَذُ مِنْهُ صَدَقَتُهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكه بِحِصَّتِهِ عَلَى السَّوِيَّة . وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ السَّاعِيَ إِذَا ظَلَمَ فَأَخَذَ زِيَادَة عَلَى فَرْضِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجَعُ بِهَا عَلَى شَرِيكِهِ وَإِنَّمَا يَغْرَمُ لَهُ قِيمَة مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْوَاجِب دُون الزِّيَادَة الَّتِي هِيَ ظُلْمٌ ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله بِالسَّوِيَّةِ . وَقَدْ يَكُونُ تَرَاجُعُهَا مِنْ وَجْه آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْن رَجُلَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاة لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا عِشْرُونَ قَدْ عَرَفَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَيْن مَاله فَيَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ مِنْ نُصِيب أَحَدِهِمَا شَاة فَيَرْجِعُ الْمَأْخُوذ مِنْ مَاله عَلَى شَرِيكه بِقِيمَةِ نِصْف شَاته . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْخُلْطَة تَصِحُّ مَعَ تَعَيُّن أَعْيَان الْأَمْوَال . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاء وَطَاوُوس أَنَّهُمَا قَالَا : إِذَا عَرَفَ الْخَلِيطَانِ كُلُّ وَاحِد مِنْهَا أَمْوَالَهُمَا فَلَيْسَا بِخَلِيطَيْنِ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ فِي شَرْط الْخَلِيطَةِ . فَقَالَ مَالِك : إِذَا كَانَ الرَّاعِي وَالْمَرَاح وَالْفَحْل وَاحِدًا فَهُمَا خَلِيطَانِ ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيّ . وَقَالَ مَالِك : فَإِنْ فَرَّقَهُمَا الْمَبِيت هَذِهِ فِي قَرْيَة وَهَذِهِ@

الصفحة 437