كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 4)

1343 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( قَدْ عَفَوْت عَنْ الْخَيْل وَالرَّقِيق )
: أَيْ تَرَكْت لَكُمْ أَخْذ زَكَاتهَا وَتَجَاوَزْت عَنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ : إِنَّمَا أَسْقَطَ الزَّكَاة عَنْ الْخَيْل وَالرَّقِيق إِذَا كَانَتْ لِلرُّكُوبِ وَالْخِدْمَة ، فَأَمَّا مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ فَفِيهِ الزَّكَاة فِي قِيمَتهَا . وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي وُجُوب الصَّدَقَة فِي الْخَيْل ، فَذَهَبَ أَكْثَر الْفُقَهَاء إِلَى أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ وَقَالَ حَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان : فِيهَا صَدَقَة . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : فِي الْخَيْل الْإِنَاث وَالذُّكُور الَّتِي يَطْلُب مِنْهَا نَسْلهَا فِي كُلّ فَرَس دِينَار فَإِنْ شِئْت قَوَّمْتهَا دَرَاهِم فَجَعَلْت فِي كُلّ مِائَتَيْ دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم وَرُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ كُلّ فَرَس دِينَارًا . قُلْت : وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء تَطَوَّعُوا بِهِ لَمْ يُلْزِمْهُمْ عُمَر إِيَّاهُ . رَوَى مَالِك عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَان بْن يَسَار أَنَّ أَهْل الشَّام عَرَضُوهُ عَلَى أَبِي عُبَيْدَة فَأَبَى ثُمَّ كَلَّمُوهُ فَأَبَى ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنْ أَحَبُّوا فَخُذْهَا مِنْهُمْ وَارْدُدْهُمْ عَلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ رَقِيقَهُمْ اِنْتَهَى كَلَامه . وَفِي نَيْل الْأَوْطَار وَتَمَسَّكَ أَيْضًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَر أَنَّهُ أَمَرَ عَامِلَهُ بِأَخْذِ الصَّدَقَة مِنْ الْخَيْل . وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ أَفْعَال الصَّحَابَة وَأَقْوَالهمْ لَا حُجَّةَ فِيهَا لَا سِيَّمَا بَعْدَ إِقْرَار عُمَر بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْر لَمْ يَأْخُذَا الصَّدَقَة مِنْ الْخَيْل كَمَا فِي رِوَايَة أَحْمَد عَنْ عُمَر وَجَاءَهُ نَاس مِنْ أَهْل الشَّام فَقَالُوا إِنَّا قَدْ أَصَبْنَا أَمْوَالًا خَيْلًا وَرَقِيقًا نُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لَنَا فِيهَا زَكَاة وَطَهُور . قَالَ مَا فَعَلَهُ صَاحِبَايَ قَبْلِي فَأَفْعَلُهُ وَاسْتَشَارَ أَصْحَاب مُحَمَّد الْحَدِيث . وَقَدْ اِحْتَجَّ بِظَاهِرِ حَدِيث الْبَاب الظَّاهِرِيَّةُ فَقَالُوا لَا تَجِبُ الزَّكَاة فِي الْخَيْل وَالرَّقِيق لَا لِتِجَارَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا ، وَأُجِيبَ عَنْهُمْ بِأَنَّ زَكَاةَ التِّجَارَة ثَابِتَة بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ اِبْن الْمُنْذِر وَغَيْره فَيَخُصُّ بِهِ عُمُوم هَذَا الْحَدِيث . وَالْحَدِيث يَدُلُّ عَلَى وُجُوب الزَّكَاةِ فِي الْفِضَّة وَهُوَ مُجْمَع عَلَى ذَلِكَ ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ زَكَاتهَا رُبْع الْعُشْر وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى اِعْتِبَار النِّصَاب فِي زَكَاة الْفِضَّة وَهُوَ@

الصفحة 451