كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 4)

هِيَ الْمَشْهُورَة الْمَعْرُوفَة . قَالَهُ النَّوَوِيّ
( فَقَالَ صَدَقَة )
إِلَخْ : أَيْ صَلَاة الْقَصْر صَدَقَة مِنْ اللَّه تَعَالَى . وَفِيهِ جَوَاز قَوْل الْقَائِل : تَصَدَّقَ اللَّه عَلَيْنَا وَاَللَّهُمَّ تَصَدَّقْ عَلَيْنَا ، وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْض السَّلَف ، قَالَ النَّوَوِيّ : وَهُوَ غَلَط ظَاهِر .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم : هَلْ الْقَصْر وَاجِب أَمْ رُخْصَة وَالتَّمَام أَفْضَل ، فَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّل الْحَنَفِيَّة ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَعُمَر وَنَسَبَهُ النَّوَوِيّ إِلَى كَثِير مِنْ أَهْل الْعِلْم . قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِم : كَانَ مَذَاهِب أَكْثَر عُلَمَاء السَّلَف وَفُقَهَاء الْأَمْصَار عَلَى أَنَّ الْقَصْر هُوَ الْوَاجِب فِي السَّفَر ، وَهُوَ قَوْل عَلِيّ وَعُمَر وَابْن عُمَر وَابْن عَبَّاس ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَقَتَادَة وَالْحَسَن ، وَقَالَ حَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان : يُعِيد مَنْ يُصَلِّي فِي السَّفَر أَرْبَعًا ، وَقَالَ مَالِك : يُعِيد مَا دَامَ فِي الْوَقْت . اِنْتَهَى كَلَام الْخَطَّابِيّ . وَإِلَى الثَّانِي الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَحْمَد . قَالَ النَّوَوِيّ وَأَكْثَر الْعُلَمَاء ، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَة وَعُثْمَان وَابْن عَبَّاس . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْصُر فِي الصُّبْح وَلَا فِي الْمَغْرِب . قَالَ النَّوَوِيّ : ذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهُ يَجُوز الْقَصْر فِي كُلّ سَفَر مُبَاح ، وَذَهَبَ بَعْض إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَط فِي الْقَصْر الْخَوْف فِي السَّفَر ، وَبَعْضهمْ كَوْنه سَفَر حَجّ أَوْ عُمْرَة ، وَعَنْ بَعْضهمْ كَوْنه سَفَر طَاعَة .
( فَاقْبَلُوا صَدَقَته )
: أَيْ سَوَاء حَصَلَ الْخَوْف أَمْ لَا ، إِنَّمَا قَالَ فِي الْآيَة { إِنْ خِفْتُمْ } لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مَخْرَج الْأَغْلَب ، فَحِينَئِذٍ لَا تَدُلّ عَلَى عَدَم الْقَصْر إِنْ لَمْ يَكُنْ خَوْف وَأَمْر فَاقْبَلُوا ظَاهِره الْوُجُوب فَيُؤَيِّد قَوْل مَنْ قَالَ إِنَّ الْقَصْر عَزِيمَة ، وَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيُّ : أَكْثَرهمْ عَلَى وُجُوب الْقَصْر ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِي هَذَا الْحَدِيث حُجَّة لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْإِتْمَام هُوَ الْأَصْل أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا قَدْ تَعَجَّبَا مِنْ الْقَصْر@

الصفحة 65