كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 4)

{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض } الْآيَة . وَفِي سُنَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَلَمْ يَخُصّ اللَّه وَلَا رَسُوله وَلَا الْمُسْلِمُونَ بِأَجْمَعِهِمْ سَفَرًا مِنْ سَفَر ، ثُمَّ اِحْتَجَّ عَلَى تَرْك الْقَصْر فِيمَا دُون الْمِيل بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ إِلَى الْبَقِيع لِدَفْنِ الْمَوْتَى وَخَرَجَ إِلَى الْفَضَاء لِلْغَائِطِ وَالنَّاس مَعَهُ فَلَمْ يَقْصُر وَلَا أَفْطَرَ . وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ حَدِيث أَنَس الْمَذْكُور فِي الْبَاب الظَّاهِرِيَّة كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ أَقَلّ مَسَافَة الْقَصْر ثَلَاثَة أَمْيَال . قَالَ فِي الْفَتْح وَهُوَ أَصَحّ حَدِيث وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَأَصْرَحهُ . وَقَدْ حَمَلَهُ مَنْ خَالَفَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد الْمَسَافَة الَّتِي يُبْتَدَأ مِنْهَا الْقَصْر لَا غَايَة السَّفَر . قَالَ وَلَا يَخْفَى بَعْد هَذَا الْحَمْل مَعَ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ ذَكَرَ فِي رِوَايَته مِنْ هَذَا الْوَجْه أَنَّ يَحْيَى بْن يَزِيد رَاوِيه عَنْ أَنَس قَالَ سَأَلْت أَنَسًا عَنْ قَصْر الصَّلَاة وَكُنْت أَخْرُج إِلَى الْكُوفَة يَعْنِي مِنْ الْبَصْرَة فَأُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى أَرْجِع فَقَالَ أَنَس فَذَكَرَ الْحَدِيث . قَالَ فَظَهَرَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ جَوَاز الْقَصْر فِي السَّفَر لَا عَنْ الْمَوْضِع الَّذِي يَبْتَدِئ الْقَصْر مِنْهُ . وَذَهَبَ الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَصْحَابهمَا وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيُّ وَفُقَهَاء أَصْحَاب الْحَدِيث وَغَيْرهمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز إِلَّا فِي مَسِيرَة مَرْحَلَتَيْنِ وَهُمَا ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّة كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالْكُوفِيُّونَ لَا يَقْصُر فِي أَقَلّ مِنْ ثَلَاث مَرَاحِل . وَقَدْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيّ مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ اِخْتِيَاره أَنَّ أَقَلّ مَسَافَة الْقَصْر يَوْم وَلَيْلَة يَعْنِي قَوْله فِي صَحِيحه وَسَمَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّفَر يَوْمًا وَلَيْلَة بَعْد قَوْله بَاب فِي كَمْ يَقْصُر الصَّلَاة . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيث كَانَتْ الثَّلَاثَة فَرَاسِخ حَدًّا فِيمَا تُقْصَر فِيهِ الصَّلَاة إِلَّا أَنِّي لَا أَعْرِف أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاء يَقُول بِهِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَس أَنَّهُ كَانَ يَقْصُر الصَّلَاة فِيمَا بَيْنه وَبَيْن خَمْسَة فَرَاسِخ . وَعَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ قَالَ إِنِّي لَأُسَافِر السَّاعَة مِنْ النَّهَار فَأَقْصُر وَعَنْ عَلِيّ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الْبَجِيلَة فَصَلَّى بِهِمْ الظُّهْر رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ يَوْمه . وَقَالَ عَمْرو بْن دِينَار قَالَ لِي جَابِر بْن زَيْد أَقْصُر بِعَرَفَة .@

الصفحة 68