كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 4)

فَأَمَّا مَذْهَب الْفُقَهَاء فَإِنَّ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ عَامَّة الْعُلَمَاء يَقُولُونَ مَسِيرَة يَوْم تَامّ وَبِهَذَا نَأْخُذ . وَقَالَ مَالِك الْقَصْر مِنْ مَكَّة إِلَى عُسَفَان وَإِلَى الطَّائِف وَإِلَى جَدَّة ، وَهُوَ قَوْل أَحْمَد بْن حَنْبَل وَإِسْحَاق ، وَإِلَى نَحْوه أَشَارَ الشَّافِعِيّ حِين قَالَ لَيْلَتَيْنِ قَاصِدَتَيْنِ . وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن وَالزُّهْرِيّ قَرِيب مِنْ ذَلِكَ قَالَا يَقْصُر فِي مَسِيرَة يَوْمَيْنِ . وَاعْتَمَدَ الشَّافِعِيّ فِي ذَلِكَ قَوْل اِبْن عَبَّاس حِين سُئِلَ فَقِيلَ لَهُ نَقْصُر إِلَى عَرَفَة قَالَ لَا وَلَكِنْ إِلَى عُسَفَان وَإِلَى جَدَّة وَإِلَى الطَّائِف . وَرَوَى عَنْ اِبْن عُمَر مِثْل ذَلِكَ وَهُوَ أَرْبَعَة بُرُد وَهَذَا عَنْ اِبْن عُمَر أَصَحّ الرِّوَايَتَيْنِ . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي لَا يَقْصُر إِلَّا فِي مَسَافَة ثَلَاثَة أَيَّام اِنْتَهَى . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم .
1016 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( الْعَصْر بِذِي الْحُلَيْفَة رَكْعَتَيْنِ )
: وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى إِبَاحَة الْقَصْر فِي السَّفَر الْقَصِير لِأَنَّ بَيْن الْمَدِينَة وَذِي الْحُلَيْفَة سِتَّة أَمْيَال . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَا الْحُلَيْفَة لَمْ تَكُنْ مُنْتَهَى السَّفَر وَإِنَّمَا خَرَجَ إِلَيْهَا حَيْثُ كَانَ قَاصِدًا إِلَى مَكَّة وَاتَّفَقَ نُزُوله بِهَا وَكَانَتْ أَوَّل صَلَاة حَضَرَتْ صَلَاة الْعَصْر فَقَصَرَهَا وَاسْتَمَرَّ يَقْصُر إِلَى أَنْ رَجَعَ قَالَ فِي الْمِرْقَاة : لَا يَجُوز الْقَصْر إِلَّا بَعْد مُفَارَقَته بُنْيَانَ الْبَلَد عِنْد أَبِي حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَرِوَايَة عَنْ مَالِك ، وَعَنْهُ إِنَّهُ يَقْصُر إِذَا كَانَ مِنْ الْمِصْر عَلَى ثَلَاثَة أَمْيَال ، وَقَالَ بَعْض التَّابِعِينَ إِنَّهُ يَجُوز أَنْ يَقْصُر مِنْ مَنْزِله . وَرَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَة فَصَلَّى الظُّهْر أَرْبَعًا ثُمَّ قَالَ : إِنَّا لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصّ لَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ .@

الصفحة 69