كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 4)

1021 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( اِسْتَصْرَخَ عَلَى صَفِيَّة )
: يُقَال اِسْتَصْرَخَ بِهِ إِذَا أَتَاهُ الصَّارِخ وَهُوَ الْمُصَوِّت ، يُعْلِمهُ بِأَمْرٍ حَادِث يَسْتَعِين بِهِ عَلَيْهِ أَوْ يَنْعِي لَهُ مَيِّتًا . وَالِاسْتِصْرَاخ الِاسْتِغَاثَة كَذَا فِي النِّهَايَة . وَالْمُرَاد هَاهُنَا إِعْلَام أَمْر مَوْتهَا أَيْ أَنَّهُ أُخْبِرَ بِمَوْتِهَا
( فَنَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنهمَا )
: قَالَ الْخَطَّابِيُّ : ظَاهِر اِسْم الْجَمْع عُرْفًا لَا يَقَع عَلَى مَنْ أَخَّرَ الظُّهْر حَتَّى صَلَّاهَا فِي آخِر وَقْتهَا وَعَجَّلَ الْعَصْر فَصَلَّاهَا فِي أَوَّل وَقْتهَا لِأَنَّ هَذَا قَدْ صَلَّى كُلّ صَلَاة مِنْهُمَا فِي وَقْتهَا الْخَاصّ مِنْهَا ، وَإِنَّمَا الْجَمْع الْمَعْرُوف بَيْنهمَا أَنْ تَكُون الصَّلَاتَانِ مَعًا فِي وَقْت إِحْدَاهُمَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَمْع بِعَرَفَة وَالْمُزْدَلِفَة كَذَلِكَ ، وَمَعْقُول أَنَّ الْجَمْع بَيْن الصَّلَاتَيْنِ مِنْ الرُّخَص الْعَامَّة لِجَمِيعِ النَّاس عَامّهمْ وَخَاصّهمْ ، وَمَعْرِفَة أَوَائِل الْأَوْقَات وَأَوَاخِرهَا مِمَّا لَا يُدْرِكهُ أَكْثَر الْخَاصَّة فَضْلًا عَنْ الْعَامَّة ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ فِي اِعْتِبَار السَّاعَات عَلَى الْوَجْه الَّذِي ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِمَّا يُبْطِل أَنْ تَكُون هَذِهِ الرُّخْصَة عَامَّة عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّة الْمُرَتَّبَة عَلَى تَفْرِيق الصَّلَوَات فِي أَوْقَاتهَا الْمُؤَقَّتَة اِنْتَهَى .
قُلْت : وَحَدِيث اِبْن عُمَر هَذَا اِسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قَالَ بِاخْتِصَاصِ رُخْصَة الْجَمْع فِي السَّفَر بِمَنْ كَانَ سَائِرًا لَا نَازِلًا . وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا وَقَعَ مِنْ التَّصْرِيح فِي حَدِيث مُعَاذ بْن جَبَل الْمَذْكُور بِلَفْظِ : " خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْر وَالْعَصْر جَمِيعًا ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ " قَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْأُمّ قَوْله ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ لَا يَكُون إِلَّا وَهُوَ نَازِل ، فَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَجْمَع نَازِلًا وَمُسَافِرًا . وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : هَذَا أَوْضَح دَلِيل فِي الرَّدّ عَلَى مَنْ قَالَ لَا يَجْمَع إِلَّا مَنْ جَدَّ بِهِ السَّيْر وَهُوَ قَاطِعٌ لِلِالْتِبَاسِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيث@

الصفحة 74