كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 4)
سَبَب لِمَا بَعْد الْفَاء أَيْ صَلُّوا أَرْبَعًا وَلَا تَقْتَدُوا بِنَا فَإِنَّا سَفْر ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَانْفَجَرَتْ } أَيْ فَضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : هَذَا الْعَدَد جَعَلَهُ الشَّافِعِيّ حَدًّا فِي الْقَصْر لِمَنْ كَانَ فِي حَرْب يَخَاف عَلَى نَفْسه الْعَدُوّ ، وَكَذَلِكَ كَانَ حَال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّام مُقَامه بِمَكَّة عَام الْفَتْح ، فَأَمَّا فِي حَال الْأَمْن فَإِنَّ الْحَدّ فِي ذَلِكَ عِنْده أَرْبَعَة أَيَّام فَإِذَا أَزْمَعَ مُقَام أَرْبَع أَتَمّ الصَّلَاة ، وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى مُقَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجّه بِمَكَّة ، وَذَلِكَ أَنَّهُ دَخَلَهَا يَوْم الْأَحَد وَخَرَجَ مِنْهَا يَوْم الْخَمِيس كُلّ ذَلِكَ يَقْصُر الصَّلَاة ، فَكَانَ مُقَامه أَرْبَعَة أَيَّام . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَان أَنَّهُ قَالَ " مَنْ أَزْمَعَ مُقَام أَرْبَع فَلْيُتِمّ " وَهُوَ قَوْل مَالِك بْن أَنَس وَأَبِي ثَوْر ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَات عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي مُقَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة عَام الْفَتْح ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ سَبْع عَشْرَة بِمَكَّة يَقْصُر الصَّلَاة ، وَعَنْهُ أَقَامَ تِسْع عَشْرَة ، وَعَنْهُ أَنَّهُ أَقَامَ خَمْس عَشْرَة ، وَكُلّ قَدْ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ عَلَى اِخْتِلَافه ، فَكَانَ خَبَر عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ أَصَحّهَا عِنْد الشَّافِعِيّ وَأَسْلَمَهَا مِنْ الِاخْتِلَاف فَصَارَ إِلَيْهِ . وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ إِذَا أَجْمَعَ الْمُسَافِر مَقَام خَمْس عَشْرَة أَتَمّ الصَّلَاة ، وَيُشْبِه أَنْ يَكُونُوا ذَهَبُوا إِلَى إِحْدَى الرِّوَايَات عَنْ اِبْن عَبَّاس ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذَا أَقَامَ اِثْنَيْ عَشْرَة لَيْلَة أَتَمّ الصَّلَاة ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن عُمَر . وَقَالَ الْحَسَن بْن صَالِح بْن حُيَيّ إِذَا عَزَمَ مُقَام عَشْر أَتَمّ الصَّلَاة وَأَرَاهُ ذَهَبَ إِلَى حَدِيث أَنَس بْن مَالِك ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد اِنْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ بِنَحْوِهِ . وَقَالَ حَسَن صَحِيح . هَذَا آخِر كَلَامه . وَفِي إِسْنَاده عَلِيّ بْن زَيْد بْن جَدْعَان ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَة مِنْ الْأَئِمَّة ، وَقَالَ بَعْضهمْ هُوَ حَدِيث لَا تَقُوم بِهِ حُجَّة لِكَثْرَةِ اِضْطِرَابه .@
الصفحة 97