كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 5)

وَنُجَاهِد مَعَكُمْ ؟ فَقَالَ : لَكِنْ أَحْسَن الْجِهَاد وَأَجْمَله الْحَجّ حَجّ مَبْرُور فَقَالَتْ عَائِشَة فَلَا أَدَعُ الْحَجّ بَعْد إِذْ سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلَفْظ اِبْن مَاجَهْ : " قُلْت يَا رَسُول اللَّه عَلَى النِّسَاء جِهَاد ؟ قَالَ : نَعَمْ جِهَاد لَا قِتَال فِيهِ الْحَجّ وَالْعُمْرَة " وَلَفْظ الْإِسْمَاعِيلِيّ " لَوْ جَاهَدْنَا مَعَك قَالَ لَا جِهَاد وَلَكِنْ حَجّ مَبْرُور " فَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ لَا فِي جَوَاب قَوْلهنَّ أَلَا نَخْرُج فَنُجَاهِد مَعَك ، أَيْ لَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْكُنَّ كَمَا وَجَبَ عَلَى الرِّجَال وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ تَحْرِيمه عَلَيْهِنَّ ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيث أُمّ عَطِيَّة أَنَّهُنَّ كُنَّ يَخْرُجْنَ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى ، وَفَهِمَتْ عَائِشَة وَمَنْ وَافَقَهَا مِنْ هَذَا التَّرْغِيب فِي الْحَجّ إِبَاحَة تَكْرِيره لَهُنَّ ، كَمَا أُبِيحَ لِلرِّجَالِ تَكْرِير الْجِهَاد ، وَخُصّ بِهِ عُمُوم قَوْله : " هَذِهِ ثُمَّ ظُهُور الْحُصُر " وَقَوْله تَعَالَى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } وَكَأَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ مُتَوَقِّفًا فِي ذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ قُوَّة دَلِيلهَا فَأَذِنَ لَهُنَّ فِي آخِر خِلَافَته ثُمَّ كَانَ عُثْمَان بَعْده يَحُجّ بِهِنَّ فِي خِلَافَته أَيْضًا كَمَا سَيَجِيءُ . وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : فِي حَدِيث عَائِشَة هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِحَدِيثِ أَبِي وَاقِد وُجُوب الْحَجّ مَرَّة وَاحِدَة كَالرِّجَالِ لَا الْمَنْع مِنْ الزِّيَادَة ، وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْأَمْر بِالْقَرَارِ فِي الْبُيُوت لَيْسَ عَلَى سَبِيل الْوُجُوب كَذَا فِي فَتْح الْبَارِي .
وَالثَّانِي : الْمُرَاد بِحَدِيثِ أَبِي وَاقِد جَوَاز التَّرْك لَا النَّهْي مِنْ الْحَجّ لَهُنَّ بَعْد حَجَّة الْوَدَاع فَقَدْ ثَبَتَ حَجّهنَّ بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيّ مِنْ طَرِيق إِبْرَاهِيم عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه إِذْن عُمَر لِأَزْوَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخَر حَجَّة حَجّهَا فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَان بْن عَفَانِ وَعَبْد الرَّحْمَن . وَرَوَى اِبْن سَعْد فِي الطَّبَقَات ، بِإِسْنَادٍ صَحَّحَهُ الْحَافِظ فِي الْفَتْح مِنْ طَرِيق أَبِي إِسْحَاق السُّبَيْعِيّ قَالَ رَأَيْت نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَجْنَ فِي هَوَادِج عَلَيْهَا الطَّيَالِسَة زَمَن الْمُغِيرَة أَيْ اِبْن شُعْبَة ، وَالظَّاهِر أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ زَمَن وِلَايَة الْمُغِيرَة عَلَى الْكُوفَة لِمُعَاوِيَةَ وَكَانَ ذَلِكَ سَنَة خَمْسِينَ أَوْ قَبْلهَا وَلِابْنِ سَعْد أَيْضًا مِنْ حَدِيث أُمّ مَعْبَد@

الصفحة 147