كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 5)

اِبْن عَبَّاس الْمُطْلَقَة وَهِيَ آخِر رِوَايَات مُسْلِم السَّابِقَة " لَا تُسَافِر اِمْرَأَة إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَم " وَهَذَا يَتَنَاوَل جَمِيع مَا يُسَمَّى سَفَرًا . وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّ الْمَرْأَة يَلْزَمهَا حَجَّة الْإِسْلَام إِذَا اِسْتَطَاعَتْ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بُنِيَ الْإِسْلَام عَلَى خَمْس " الْحَدِيث وَاسْتَطَاعَتْهَا كَاسْتِطَاعَةِ الرَّجُل ، لَكِنْ اِخْتَلَفُوا فِي اِشْتِرَاط الْمَحْرَم لَهَا ، فَأَبُو حَنِيفَة يَشْتَرِط لِوُجُوبِ الْحَجّ عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ يَكُون بَيْنهَا وَبَيْن مَكَّة دُون ثَلَات مَرَاحِل ، وَوَافَقَهُ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَاب الْحَدِيث وَأَصْحَاب الرَّأْي ، حُكِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالنَّخَعِيِّ . وَقَالَ عَطَاء وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَابْن سِيرِينَ وَمَالِك وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيّ فِي الْمَشْهُور عَنْهُ : لَا يُشْتَرَط الْمَحْرَم بَلْ يُشْتَرَط الْأَمْن عَلَى نَفْسهَا . قَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ : يَحْصُل الْأَمْن بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَم أَوْ نِسْوَة ثِقَات . وَلَا يَلْزَمهَا الْحَجّ عِنْد الشَّافِعِيّ إِلَّا بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاء ، فَلَوْ وُجِدَتْ اِمْرَأَة وَاحِدَة ثِقَة لَمْ يَلْزَمهَا لَكِنْ يَجُوز لَهَا الْحَجّ مَعَهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيح قَالَهُ النَّوَوِيّ فِي شَرْح مُسْلِم .
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَسَبَب هَذَا الْخِلَاف مُخَالَفَة ظَوَاهِر الْأَحَادِيث لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } لِأَنَّ ظَاهِره الِاسْتِطَاعَة بِالْبَدَنِ فَيَجِب عَلَى كُلّ قَادِر عَلَيْهِ بِبَدَنِهِ ، وَمَنْ لَمْ تَجِد مَحْرَمًا قَادِرَة بِبَدَنِهَا فَيَجِب عَلَيْهَا ، فَلَمَّا تَعَارَضَتْ هَذِهِ الظَّوَاهِر اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل ذَلِكَ ، فَجَمَعَ أَبُو حَنِيفَة وَمَنْ وَافَقَهُ بِأَنْ جَعَلَ الْحَدِيث مُبَيِّنًا الِاسْتِطَاعَة فِي حَقّ الْمَرْأَة ، وَرَأَى مَالِك وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ لِلِاسْتِطَاعَةِ الْأَمْنِيَّة بِنَفْسِهَا فِي حَقّ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَأَنَّ الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة لَمْ تَتَعَرَّض لِلْأَسْفَارِ الْوَاجِبَة وَقَدْ أُجِيبَ أَيْضًا بِحَمْلِ الْأَخْبَار عَلَى مَا إِذَا لَمْ تَكُنْ الطَّرِيق آمِنًا ذَكَرَهُ الزُّرْقَانِيّ وَاَللَّه أَعْلَم .
قَالَ الْمُنْذِرِيّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ . وَفِي حَدِيث الْبُخَارِيّ يَوْم وَلَيْلَة . اِنْتَهَى كَلَامه . وَقَوْله فِي الْحَدِيث تُسَافِر هَكَذَا الرِّوَايَة بِدُونِ أَنْ نَظِير قَوْلهمْ " تَسْمَعَ بِالْمُعَيْدِيِّ خَيْر@

الصفحة 150