كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 5)

وَمِمَّا يُقَوِّي أَنَّ الْمُرَاد بِهَذَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ تَعَجَّلَ مِنْ الْعَبَّاس صَدَقَة عَامَيْنِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي رَافِع أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَر : إِنَّا كُنَّا تَعَجَّلْنَا صَدَقَة مَال الْعَبَّاس عَامَ الْأَوَّل قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِي صَدَقَة الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ هِيَ عَلَيَّ وَمِثْلهَا ، فَإِنَّهُ يُتَأَوَّل عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّف مِنْهُ صَدَقَة سَنَتَيْنِ فَصَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيل عَلَى جَوَاز تَعْجِيل الصَّدَقَة قَبْل مَحِلّهَا ، وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ ، فَأَجَازَ كَثِير مِنْهُمْ تَعْجِيلهَا قَبْل أَوَان مَحِلّهَا ، ذَهَبَ إِلَيْهِ الزُّهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ ، وَكَانَ مَالِك بْن أَنَس لَا يَرَى تَعْجِيلهَا عَنْ وَقْت مَحِلّهَا . وَيُرْوَى عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا وَلِلزَّكَاةِ وَقْتًا ، فَمَنْ صَلَّى قَبْل الْوَقْت أَعَادَ وَمَنْ زَكَّى قَبْل الْوَقْت أَعَادَ . وَالْوَجْه الْآخَر هُوَ أَنْ يَكُون قَدْ قَبَضَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ مِنْهُ صَدَقَة ذَلِكَ الْعَامّ الَّذِي شَكَاهُ فِيهَا الْعَامِل وَتَعَجَّلَ صَدَقَة الْعَام الثَّانِي فَقَالَ هِيَ وَمِثْلهَا أَيْ الصَّدَقَة الَّتِي قَدْ حَلَّتْ وَأَنْتَ تُطَالِبهُ بِهَا مَعَ مِثْلهَا مِنْ صَدَقَة عَام وَاحِد
( أَنَّ عَمّ الرَّجُل صِنْو الْأَب )
: أَيْ مِثْله تَفْضِيلًا لَهُ وَتَشْرِيفًا وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون تَحَمَّلَ عَنْهُ بِهَا فَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّ الزَّكَاة تَتَعَلَّق بِالذِّمَّةِ كَمَا هُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ . قَالَ الْمُنْذِرِيّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالنَّسَائِيّ .
تَعْلِيقُ الْحَافِظِ ابْنِ الْقَيِّمِ :
وَأَعْتُده فِي سَبِيل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَمَّا الْعَبَّاس عَمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلهَا ، ثُمَّ قَالَ أَمَا شَعَرْت أَنَّ عَمّ الرَّجُل صِنْو الْأَب أَوْ صِنْو أَبِيهِ " .
1383 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( قَبْل أَنْ تَحِلّ )
: بِكَسْرِ الْحَاء أَيْ تَجِب الزَّكَاة ، وَقِيلَ قَبْل أَنْ تَصِير حَالًّا بِمُضِيِّ الْحَوْل
( فَرَخَّصَ لَهُ )
: أَيْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ
( فِي ذَلِكَ )
: أَيْ تَعْجِيل الصَّدَقَة . قَالَ اِبْن الْمَلِك : وَهَذَا يَدُلّ عَلَى جَوَاز تَعْجِيل الصَّدَقَة بَعْد @

الصفحة 27